بقلم بسام سنو – خاص بوابة بيروت
@sinno_bassam

كاتب وناشط سياسي
في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، يقف الرئيس نواف سلام، رئيس حكومة لبنان الحالي، أمام مسؤولية استثنائية لا يُحسَد عليها، لكنه يُنتظر منه الكثير. فهو يأتي إلى الحكم بعد سنوات طويلة عاش فيها الوطن تحت هيمنة غير مسبوقة على القرار الوطني، هيمنة مارستها قوى رفعت شعار “المقاومة” فيما كانت، في الحقيقة، أحد أبرز أسباب الخراب والانهيار وخطف الدولة وإفقادها هويتها العربية ودورها الطبيعي.
لقد مرّ لبنان بمرحلة سوداء، أطبقت فيها “الدولة العميقة” على مؤسساته، وسيطر عليها نفوذ الأحزاب، وسُلِّمت مفاتيح السلطة إلى من لا يؤمن بالدولة ولا بمؤسساتها. تلك المرحلة التي بلغ انهيارها ذروته في عهد الرئيس ميشال عون، الذي أدخل البلاد في أسوأ أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترك مؤسساتها نهبًا للمصالح الضيقة والتحالفات التي تخنق الدولة بدل أن تحميها.
أما اليوم، ومع وصول القاضي نواف سلام إلى رئاسة الحكومة، فإن باب الأمل قد فُتح مجددًا. لبنان، وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة، يمتلك فرصة للخروج من النفق إذا امتلك رئيس حكومته جرأة القرار، وإذا وقف إلى جانب الشعب اللبناني لا إلى جانب منظومة الخراب. سلام يملك القدرة، ويمتلك الشرعية الشعبية والدولية، لكن النجاح لا يأتي بالتمنّي؛ يأتي بالقرارات الحاسمة التي لا تخشى المواجهة.
يا دولة الرئيس… القرار يبدأ من هنا
على دولة الرئيس أن يبدأ من الأساس، التخلّص من الإرث الثقيل الذي تركته السلطة السابقة، عبر إقالة كل المدراء العامين وكبار المسؤولين الأمنيين والإداريين الذين رُسّموا في عهد الرئيس ميشال عون أو قبله وكانوا أدوات في تكريس الدولة العميقة. فلبنان لن ينهض بعقليات قديمة ولا بوجوه مُستهلكة ولا بأشخاص مرتهنين للأحزاب ومصالحها.
لبنان يحتاج اليوم إلى وجوه جديدة، متعلمة، ذات كفاءة حقيقية، غير مرتهنة لأي طرف سياسي، تعمل لمصلحة الوطن لا لمصلحة الزعيم. نحتاج إلى أشخاص أمناء على الدولة، يخافون على لبنان ولا يخافون من السلطة.
إصلاح المؤسسات… يبدأ من كسر الفساد
الدولة اللبنانية يجب أن تبدأ بورشة إعمار داخلية قبل أي إعمار خارجي.
نحتاج إلى مكننة الإدارات، إلى إنهاء ثقافة “المعاملة بالواسطة”، وإيقاف المحسوبيات والسرقات والنهب المنظّم. وكل موظف لا يعمل ولا يخدم الناس يجب أن يستقيل أو يُقال.
لقد سئم الشعب أن يكون عبدًا للفاسدين، رهينة للصفقات، ضحية لبازار سياسي لا يشبه لبنان ولا يشبه تاريخه.
لبنان… بلد الإمكانات الهائلة
لبنان ليس فقيرًا، بل منهوب.
وليس ضعيفًا، بل مخطوف.
ففي هذا البلد طاقات بشرية لا يمتلكها أي بلد آخر، شباب متعلّم، عقول لامعة، خبرات علمية واقتصادية لا تُقدَّر بثمن.
وفوق ذلك، يمتلك لبنان ثروات طبيعية وسياحية وزراعية وبحرية تعبُر به إلى مصاف الدول الغنية لو أُحسن استثمارها.
لكن الشرذمة والفساد يلتهمان كل شيء.
وحان الوقت لوقف الانهيار.
يا دولة الرئيس… القرار الآن بين يديك
العالم ينتظر أن يرى في لبنان رجال دولة، لا رجال مصالح.
الناس تنتظر صوت الحق، وأنت قادر على حمل هذا الصوت.
اتّخذ القرار الشجاع، القرار الأقوى من كل اعتبار. نظّف الدولة من الفساد، واحمل سيف العدالة، وضع النقاط على الحروف.
فإذا تحرّك لبنان بقرار شجاع اليوم…
فلن يسبقه أحد غدًا.
فهل تسمع النداء؟