خاص بوابة بيروت

كاتب وناشط سياسي
في الآونة الأخيرة، ازدادت التصريحات والتلميحات التي تشير إلى أن الصراع المسيحي بدأ يظهر بوضوح. فبعد نجاح زيارة بابا روما التي نظمها وأشرف عليها الرئيس جوزف عون والسيدة الأولى، واستبعاد البطريرك عن المشهد الأساسي، ظهرت الكثير من ردود الفعل التي تعكس استياءً مسيحياً واضحاً من هذا التوجه. استبعاد بعض الشخصيات البارزة مثل الدكتور سمير جعجع ورؤساء الأحزاب المسيحية في هذا الحدث كان له أثر بالغ على الانقسامات داخل المجتمع المسيحي.
ففي الوقت الذي كان فيه بعض الزعماء المسيحيين خارج دائرة الضوء، بدأت الأحزاب المسيحية تتسابق على تنظيم مهرجانات عيد الميلاد في مختلف المناطق المسيحية. هذه المهرجانات، التي كانت في بعض الأحيان تبدو أشبه بمهرجانات انتخابية، تظهر بشكل واضح الطموحات السياسية لكل طرف. فما بين ظهور النائب زياد حواط في جبيل و جبران باسيل في البترون، يبرز تنافس محموم على إظهار القوة في المناطق التي يعتبرها كل طرف خاضعة له. وهذا التنافس ليس سوى تعبير عن تجاذبات سياسية تستهدف التغطية على حالة من التفكك الداخلي في الصف المسيحي.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم اليوم: هل العهد الحالي مستعد لإنهاء هيمنة القوى المسيحية التقليدية على الساحة، والعمل على بناء قوى جديدة تدعم مشروع إعادة بناء الدولة؟ هناك مؤشرات قوية على أن العهد، رغم التحديات، قد يراهن على أسماء مثل ميشال معوض وحزب الكتائب وحزب الخضر والكتلة الوطنية وبعض القوى المسيحية المعتدلة الأخرى، مثل نعمة افرام ومجد حرب، الذين يظهرون استعدادهم للعمل على بناء دولة حقيقية ومستقرة بعيدة عن التعصب الطائفي.
في هذه المرحلة الدقيقة، بات من الضروري أن يتجه المواطن المسيحي إلى الأحزاب الأكثر اعتدالاً، تلك التي تؤمن بمشروع بناء الدولة على أسس من القانون والدستور، بعيداً عن الأحقاد والتصعيد الطائفي. فالدولة لا تُبنى بالنزاعات والتشنجات، بل بالعمل المؤسساتي الجاد والاحترام الكامل للقوانين. لا يمكن بناء وطن يسوده العدل والحرية دون أن يكون للمواطن وعي كامل بأهمية احترام الدولة، بغض النظر عن الاعتبارات الحزبية أو السياسية أو الطائفية.
من المهم اليوم أن يعمل الجميع على إعادة بناء المواطن اللبناني، الذي يضع ولاءه للوطن قبل أي اعتبارات أخرى، ويؤمن بأهمية تطبيق القانون وحمايته. فالأوطان لا تُبنى بالعواطف بل بالمواقف الصادقة، وبالعمل الجماعي لتحقيق المصلحة العليا للوطن.
المرحلة القادمة قد تكون مليئة بالتحديات، لكن ما يبدو واضحاً أن الأمور تتجه نحو تصعيد حاسم. فعلى الرغم من التصريحات التي قد تبدو أحياناً كيدية أو مسيّسة، هناك نهج واضح بأن الأمور لن تستمر على هذا النحو. فالقضاء، الذي بدأ في اتخاذ خطوات جادة تجاه توقيف بعض كبار المصرحين، يؤكد أن هناك استعداداً لوقف التعصب الديني والفكري، والعمل على محاربة النعرات الطائفية التي تؤثر سلباً على الوطن.
في النهاية، لابد من إدراك أن كل نبرة تشد في اتجاه التفكك والصراع لن تؤدي إلا إلى مزيد من الضعف. فلنبادر جميعاً، كمسيحيين ومسلمين ، بالوحدة والتعاون لبناء دولة تسودها العدالة والمساواة، بعيداً عن الانقسامات التي لطالما أضعفتنا.