نحو تفاوض مع “إسرائيل” : خطوة ضرورية ولكن…

بقلم السفير د. هشام حمدان

تتداول وسائل الإعلام وبجدية واسعة، توجه فخامة الرئيس للتفاوض مع اسرائيل لانهاء المشكلات القائمة بشأن تطبيق اتفاق تشرين الأول للعام ٢٠٢٤ وإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان. هذا العرض ليس مقنعا. لم يفاجئني رفض إسرائيل التفاوض. فعرض التفاوض الذي قدمه الرئيس يبدو بوضوح أنه عرض بالواسطة من حزب الله ومن خلفه إيران التي تريد إشغال إسرائيل بعمل دبلوماسي لهدف آخر يتعلق بمشاغلها النووية وغيرها من شؤون التسلح.

نحن لا نشك أبدا بأن مواقف فخامة الرئيس بشأن استعادة السيادة الكاملة للبنان على كامل أراضيه الوطنية جادة وجدية. فخامته يعمل وفقا لقسم اليمين يعاونه في ذلك رئيس حكومة متمرس في العلاقات الدولية ومتمرس في الشأن القومي والوطني والحقوقي. لكن النوايا شيء والعمل على تحقيقها شيء آخر. مداخلتي الآن هدفها تقديم رأي مخلص في سبيل تحقيق هذا الهدف الوطني الأساسي لاعادة بناء السلام في لبنان وانهاء حالة الحروب التي سادت على أراضيه لأكثر من خمسين سنة.

موضوع مقاربة التفاوض مع “إسرائيل”

ثمة فارق كبير بين أن يكون التفاوض في إطار اقامة سلام دائم بين الجانبين وتطوير العلاقة السياسية بينهما، او إذا كان التفاوض له جانب أمني فقط ويتناول موضوع الترتيبات الأمنية المناسبة للحد من الصدام المستمر بين إسرائيل وحزب الله. لكن سواء كان الموضوع يتعلق بإقامة سلام مع إسرائيل والتمهيد لتطبيع في العلاقات الثنائية، أو بغرض إقامة ترتيبات ذات طابع أمني، فإن طلب التفاوض يجب أن يتم من خلال آلية إتفاق الهدنة لعام 1949. يجب عرض طلب التفاوض من خلال الأحكام التي أقرها القرار الإلزامي للبنان وإسرائيل الذي أنهى حرب عام 1948، وفرض اتفاق هدنة بهدف وضع حد للحروب العسكرية بين الجانبين والتمهيد لاتفاقات سلام دائمة بين الجانبين.

وسؤالي البديهي هو هل تجرؤ الحكومة على طلب أعادة العمل باتفاق الهدنة؟

هنا يكمن سر التفاعل الصحيح مع قرار استعادة السيادة الوطنية للبنان على كامل التراب الوطني. فالعودة لاتفاق الهدنة يعني أن على الحكومة أن تزيل أي عامل يمكن أن يهدد الاستقرار الأمني بين الجانبين. وهو أمر يجب أن يسبق أي مسعى لتطوير علاقاتنا مع إسرائيل في اطار المفهوم الإبراهيمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

قلت مرارا وأكرر أن على لبنان أن يثبت أن مقاربته لأية ترتيبات أمنية مع إسرائيل إنما تقوم على قاعدة اتفاق الهدنة لعام ١٩٤٩. أية مقاربة مخالفة ستضع الحقوق اللبنانية في مهب الريح. ألإصرار على اتفاق الهدنة كالإطار القانوني المستمر حتى الان للعلاقات بين لبنان وإسرائيل يعني تكريس مبدأ أن لبنان لم يكن شريكا في الحروب التي حصلت على أراضيه منذ عام ١٩٦٩. هذا يعني أن لبنان يحتفظ بحقه بالمطالبة بالتعويض من كل الذين شاركوا مباشرة أو غير مباشرة في تلك الحروب وخاصة مسببيها. إن تغيير هذه القاعدة يشكل خرقا فاضحا للمصلحة الوطنية العليا التي بؤتمن عليها فخامة الرئيس ودولة الرئيس. هي تعني تحميل لبنان وأجياله الحالية والقادمة ألأثمان الباهظة التي دفعها او سيدفعها لاعادة بناء ما دمرته الحروب.

كما أنّ الإلتزام باتفاق الهدنة يكرس الحق المشروع بالحدود المعترف بها دوليا بين الجانبين ويمنح لبنان قوة كبيرة في مقاربة حقوقه بشأن الثروات الطبيعية في مياهه الإقليمية والأراضي المتنازع عليها في كفرشوبا ومزارع شبعا. وقد قلنا مرارا أن موضوع ترسيم الحدود هو تقني ويعني باللغة المحلية المتعارف عليها: إظهار حدود. وهذا الأمر يعتبر في حالة عدم التوافق عليه بين الجانبين، نزاعا قانونيا يطبق بشأنه المادة ٣٦ من ميثاق الامم المتحدة التي توجب على مجلس الأمن أن يأخذ بالإعتبار أن المنازعات القانونية بين الجانبين يجب أن تحال الى محكمة العدل الدولية لتسويتها وفقا لآليتها المنصوص عليه في ميثاق المحكمة.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com