عامٌ على سقوط الأسد الهارب : لا لجوء إنساني لمجرم حرب… والعدالة لن تسقط بالتقادم

خاص بوابة بيروت

في الذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الديكتاتور بشار حافظ الأسد، تتقدّم هذه المناسبة لا كحدثٍ سياسي عابر، بل كلحظة أخلاقية وقانونية فارقة في تاريخ سورية المعاصر، ولحظة اختبار حقيقية لضمير العالم، ولمصداقية منظومة العدالة الدولية، ولمعنى حقوق الإنسان حين تُنتهك على هذا النطاق غير المسبوق.

لقد سقط نظامٌ قام، على مدى عقود، وعلى نحوٍ ممنهج، بتحويل الدولة إلى أداة قمع، والجيش إلى آلة قتل، والأجهزة الأمنية إلى مصانع للتعذيب والاختفاء القسري. نظامٌ ارتكب أفظع الجرائم بحق شعبه: قتل جماعي، قصف عشوائي، استخدام الأسلحة المحرّمة، حصار وتجويع، تهجير قسري، تدمير مدن كاملة، وملفات موثقة من التعذيب الممنهج داخل السجون والمعتقلات، حتى باتت مراكز الاحتجاز عناوين للرعب وليس للقانون.

ورغم كل ذلك، يجد الديكتاتور الهارب بشار الأسد نفسه اليوم في روسيا، وقد مُنح لجوءًا وُصف زورًا بـ“الإنساني”، في مفارقة صادمة تهين ذاكرة الضحايا وتجرح العدالة في معناها العميق. أي لجوء هذا الذي يُمنح لمن تلطخت يداه بدماء مئات الآلاف؟ وأي إنسانية تلك التي تُمدّ لمجرم حرب، فيما تُترك الأمهات بلا قبور لأبنائهن، والناجون بلا إنصاف، والضحايا بلا عدالة؟.

إن الحديث عن سقوط النظام الاسدي لا يكتمل دون الحديث الصريح عن العدالة الانتقالية بوصفها حجر الأساس لأي مستقبل سوري سليم. فالعدالة ليست شعارًا، وليست انتقامًا، بل مسار قانوني وأخلاقي يضمن المحاسبة، ويكشف الحقيقة، ويعترف بالضحايا، ويمنع تكرار الجرائم. العدالة الانتقالية في سورية ليست خيارًا سياسيًا قابلًا للتأجيل، بل استحقاق وطني وحقوقي لا يمكن القفز فوقه تحت أي ذريعة.

ومن هنا، فإن المسؤولية لا تقع على شخص الديكتاتور بشار الأسد وحده، بل تطال شقيقه المجرم ماهر الأسد، وكامل المنظومة الأمنية والعسكرية التي خططت وأمرت ونفذت، وكل من تورط أو تواطأ أو موّل أو غطّى هذه الجرائم. هؤلاء ليسوا “أطراف نزاع”، وليسوا مشتبه بهم بل هم متورطين بالدلائل والوثائق الدامغة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق التعريفات القانونية الدولية. ولا يمكن لأي تسوية سياسية أو إعادة تأهيل دبلوماسي أن تمنحهم حصانة من المساءلة.

أما المجتمع الدولي، فهو اليوم أمام اختبار تاريخي حاسم. الصمت أو التراخي أو التعامل البراغماتي مع إرث الأسد هو مشاركة غير مباشرة في طمس الحقيقة. المطلوب ليس بيانات إدانة، بل خطوات واضحة:

• تكثيف الضغط لإعلان الديكتاتور الهارب بشار الأسد ورموز نظامه مجرمي حرب على المستوى الدولي والعمل على ملاحقتهم .
• دعم الآليات القضائية الوطنية والدولية، بما فيها الولاية القضائية العالمية.
• حماية الأدلة والملفات والشهود.
• ضمان عدم إفلات أي متورط من المحاسبة، مهما بلغت مكانته أو الجهة التي تؤويه.

وفي مقابل هذه الظلمة الثقيلة، يبرز الضوء الحقيقي: الشعب السوري. شعبٌ لم ينكسر رغم المجازر، ولم يصمت رغم الألم، وكتب بثورته صفحة مشرفة في تاريخ النضال من أجل الحرية والكرامة. تحية إجلال للنساء والرجال الذين خرجوا بصدور عارية في وجه آلة الموت، ولعائلات الشهداء، وللناجين، وللمهجّرين الذين حملوا سورية في ذاكرتهم أينما ذهبوا.

وتقدير خاص للمدافعين عن حقوق الإنسان السوريين، وللصحافيين والإعلاميين الذين دفعوا أثمانًا باهظة: اعتقالًا، تعذيبًا، نفيًا، واغتيالًا، فقط لأنهم تمسّكوا بالحقيقة ورفضوا أن يكونوا شهود زور. هؤلاء هم ضمير سورية الحي، وحراس الذاكرة، وصوت الضحايا في المحافل الدولية.

وفي هذه الذكرى، ومع انطلاق مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، نتوجه بالأمل والتمنيات الصادقة إلى الحكومة السورية الجديدة، وإلى الرئيس أحمد الشرع، بأن تكون الدولة القادمة دولة قانون لا دولة انتقام، دولة مؤسسات لا دولة أشخاص، دولة تُنصف المظلومين، وتُجبر خواطر الضحايا، وتضع كرامة الإنسان في صلب سياساتها. إن إعادة بناء سورية لا تبدأ بالإسمنت، بل بالعدالة، ولا تُختصر بالاستقرار الأمني، بل بالاعتراف بالحقيقة ومحاسبة الجناة.

ختامًا، سقوط نظام البعث الأسدي الاجرامي في 8/12/2024 ليس نهاية الطريق، بل بدايته. فالنقطة الفاصلة بين الماضي والمستقبل اسمها العدالة. وبدونها، لا سلام حقيقي، ولا مصالحة مستدامة، ولا دولة تستحق أن تُبنى.

العدالة لسورية ليست مطلبًا سياسيًا، بل حق غير قابل للتصرف… وواجب لن يسقط بالتقادم.

اخترنا لك