خاص بوابة بيروت
في قراءة تحذيرية تستند إلى مسار تاريخي دموي يتكرر كلما تداخل الفعل الأمني الخارجي مع الهشاشة الداخلية، كشف الكاتب والباحث السياسي الدكتور ميشال الشمّاعي، في حديث خاص لـ«بوابة بيروت»، أن ما تشهده الساحة الدولية اليوم، وتحديدًا حادثة أستراليا الأخيرة، لا يمكن التعامل معه كحدث معزول، بل كمؤشر خطِر يعيد إنتاج السيناريو نفسه الذي سبق انفجار لبنان واجتياحي 1978 و1982.
وقال الشمّاعي إن التاريخ يعيد نفسه بنمط واحد، حيث تبدأ الوقائع بعمل أمني خارج الحدود، تتحول سريعًا إلى ذريعة سياسية وعسكرية تُستخدم لاحقًا لتبرير ضرب لبنان وزجه في قلب الصراع.
وفي هذا السياق، استعاد الشمّاعي ثلاث محطات مفصلية:
أولًا، غارة الكوماندوس التي نفذها العدو الإسرائيلي على مطار بيروت الدولي ليل 28–29 كانون الأول 1968، والتي أدّت إلى تدمير 13 طائرة مدنية تابعة لشركة “الميدل إيست” وشركات عربية أخرى، بذريعة الرد على عملية فدائية استهدفت طائرة تابعة لشركة “العال” في مطار أثينا، معتبرًا أن تلك العملية شكّلت بداية مسار تصعيدي انتهى بانفجار الداخل اللبناني.
ثانيًا، عملية ميونيخ في 5 أيلول 1972 التي نفذتها مجموعة “أيلول الأسود”، وما تلاها من فشل أمني ألماني ومقتل الرهائن الإسرائيليين، لتُستخدم العملية لاحقًا كذريعة مباشرة لعملية “فردان / ربيع الشباب” عام 1973 داخل بيروت، حيث اغتالت وحدات كوماندوس إسرائيلية قيادات فلسطينية بارزة، في محطة سبقت مباشرة الانزلاق الكبير نحو الحرب الأهلية والاجتياحات.
ثالثًا، الهجوم المسلّح الذي وقع في 14 كانون الأول 2025 خلال فعالية دينية للجالية اليهودية في أستراليا، وأسفر عن سقوط 12 قتيلًا وعشرات الجرحى، حيث أشار الشمّاعي إلى تضارب المعطيات حتى اللحظة حول هوية المنفذين. ولفت إلى أن اسم المواطن اللبناني الأصل خالد النابلسي جرى تداوله إعلاميًا من دون أي تأكيد رسمي، في حين حدّدت الشرطة الأسترالية مشتبهًا به يُدعى نافيد أكرم تم توقيفه بعد إصابته بجروح خطيرة، مع وجود معلومات غير مؤكدة عن مشتبه بهم إضافيين. كما أشار إلى مفارقة لافتة تمثّلت في تداول اسم المواطن الأسترالي من أصل لبناني أحمد الأحمد، الذي تمكّن من انتزاع السلاح من أحد المنفذين ومنع سقوط مزيد من الضحايا.
ويرى الشمّاعي أن الخطورة لا تكمن في الحادثة بحد ذاتها، بل في توظيفها السياسي المحتمل، معتبرًا أن ما جرى في أستراليا يعيد النمط نفسه: فعل خارجي، صدمة دولية، ذريعة جاهزة، تصعيد ضد لبنان.
وأضاف أن هذه الذريعة قد تُضاف إلى سلسلة ذرائع قائمة أصلًا، أبرزها:
- عدم تنفيذ القرار 1701
- عدم تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية في جلسة 5
- خرق اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024
- استمرار العدو الإسرائيلي باحتلال النقاط الخمس
- الضربات الجوية والاغتيالات شبه اليومية بحق قيادات “حزب الله”
وفي خلاصة تحليله، اعتبر الشمّاعي أن لبنان يقف مجددًا أمام سؤال وجودي خطِر، قائلًا إن النتيجة اللبنانية المتراكمة لمسار الصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” الممتد منذ أكثر من 77 عامًا تفرض طرح الإشكالية التالية بوضوح: هل لبنان مجددًا على حافة الحرب؟أ م أن ما يحصل يؤكد أن المواجهة باتت مسألة وقت لا أكثر؟
وختم بالتشديد على أن تجاهل هذا المسار التاريخي المتكرر، في ظل الانقسام الداخلي والهشاشة السياسية، قد يعني أن لبنان يستعد مرة جديدة لدفع ثمن صراعات تتجاوز حدوده، فيما يبقى الحلقة الأضعف في معادلة إقليمية شديدة الانفجار.