ميثاقية “#حزب_الله” بلا عيش مشترك؟

بقلم غسان صليبي

جاء في مقدمة الدستور اللبناني الفقرة (ي) ان “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. ويبدو ان موقف “الثنائي الشيعي” من ” لا ميثاقية” قرارات الحكومة بشأن السلاح وفي غياب الوزراء الشيعة، يستند الى هذا النص.

بحسب النص المذكور اعلاه، ان صحة او عدم صحة موقف “الثنائي الشيعي”، لا علاقة لهما بالتركيبة الطائفية او المذهبية للسلطة التي اتخذت قرار حصرية السلاح، وذلك لسببين. الاول هو ان مضمون الفقرة( ي) من مقدمة الدستور، يجب أن لا يتناقض مع مضمون النصوص الدستورية الأخرى ذات العلاقة، وتحديداً مع نص المادة 65 من الدستور التي أكدت على صحة إنعقاد مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، وأن يتخذ قراراته بأكثرية الحضور.

اما السبب الثاني فله علاقة مباشرة بالفقرة (ي)، اذ أن المقصود في هذه الفقرة هو ان شرعية او عدم شرعية السلطة التي اتخذت القرار، لا تستمدها من “ميثاقية” تركيبتها عندما اتخذت القرار، بل من ميثاقية مضمون قرارها، و”ميثاقية” مضمون قرارها مرتبط بمدى احترامه ل”ميثاق العيش المشترك”.

مفتاح البت بهذا النقاش هو اذن الاتفاق على معنى “ميثاق العيش المشترك”.

مع تأسيس لبنان الكبير، كان هناك ما يسمّى ب”الميثاق الوطني”، غير المكتوب، والذي ينظّم، وعلى عكس ما يعتقده كثيرون، علاقة لبنان بالخارج وليس علاقة اللبنانيين في ما بينهم. ف”الميثاق الوطني” هو إعلان “لا” كبيرة من قبل اللبنانيين جميعا في موضوع الالتحاق بالغرب او بالشرق. وإذا كان لابد من إعطاء “الميثاق الوطني” بعداً داخلياً، فهو ميثاق بين طرفين، المسلمين والمسيحيين، ولا إشارة للمذاهب في كل من الطرفين، وبالتالي حتى ولو اعتمدنا هذا الميثاق لتفسير الميثاقية، فهذا لا يتوافق مع مفهوم “الثنائي” لها، بمدلوله المذهبي. لكن بالمقابل، وبالاستناد الى هذا الميثاق نفسه، تصبح سياسات حزب الله غير ميثاقية بسبب التحاقه الكامل بالنظام الايراني وانحيازه الى “الشرق” ضد الغرب، كما كان يردد دائما السيد نصرالله.

بعد حرب ١٩٧٥ واقرار اتفاق “الطائف”، لا يوجد أي مستند او إعلان رسمي- قانوني تحت اسم “ميثاق العيش المشترك”. المستند الوحيد الذي من المفترض ان يجسد هذا الميثاق بحسب عنوانه، هو ما اتفق عليه اللبنانيون تحت اسم “الدستور” الذي هو وليس غيره من ينظم هذا “العيش المشترك”.

وبالتالي يصبح السؤال الفعلي هو ما اذا كان قرار حصرية السلاح مخالف للدستور؟ والجواب على هذا السؤال لا لبس فيه: ف”اتفاق الطائف” الذي صيغَ على اساسه الدستور، ينص صراحةً على حصرية السلاح. والحكومة في قرارها تستند اول ما تستند، كما يكرر رئيسها، الى هذا الاتفاق.

بهذا المعنى، ان احتفاظ حزب الله بسلاحه مخالف لاتفاق الطائف ولميثاق العيش المشترك الذي يجسده الدستور، وهو بالتالي تصرف غير ميثاقي. بالمقابل ان قرار الحكومة بحصرية السلاح هو في صلب الميثاقية.

واذا كان من سبب اول لرفض معظم اللبنانيين لسلاح حزب الله، فهو لأن الحزب، وخاصة خلال العقدين الأخيرين، عطّل كافة أطر “العيش المشترك”، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
– ضرب العيش المشترك بالحديد والنار من خلال “غزوة بيروت” واحتلالها في ٨ ايار ٢٠٠٨.
– لجم انتفاضة ١٧ تشرين سنة ٢٠١٩، التي تجلى فيها العيش المشترك في كافة الساحات على مساحة الوطن وتحت راية العلم اللبناني وحده.
– تعطيل الاطر الدستورية للعيش المشترك، من خلال تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في مرحلتين ولسنوات عديدة.
– شرذمة أهالي ضحايا تفجير المرفأ، ومنعهم من العيش المشترك لآلامهم ولمطالبتهم بحقوقهم، إضافة لمحاولته تهديد المحقق العدلي في القضية.
– ضرب ابسط قواعد العيش المشترك عن طريق الدخول في “حرب اسناد” بقرار إحادي ومن خارج الهيئات الدستورية وضد إرادة معظم اللبنانيين، والتسبب بنكبة شيعية ولبنانية فاقمت من صعوبات التلاقي والعيش المشترك، رغم استقبال جميع اللبنانيين للنازحين من الطائفة الشيعية.

الخطيئة الاصلية بحق “العيش المشترك” التي ارتكبها حزب الله- واستخدمُ هنا تعبيرا دينيا لتسهيل التواصل مع الحزب- كانت بتأسيس “دويلته” وحكمها بالاستناد الى عقيدة دينية ايرانية لا تتوافق مع قيم ومبادىء الدستور اللبناني، وعزلها بالتالي عن باقي مناطق الوطن وتسييجها أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ولا يزال “الثنائي الشيعي” بقيادة حزب الله، يطعن يومياً بفكرة العيش المشترك عبر ترداد شعار “شيعة شيعة شيعة”، الذي يعزل الشيعة عن باقي اللبنانيين.

يريد حزب الله التمسك ب”الميثاقية” على مستوى تركيبة السلطة التنفيذية فيما يستمر بتهشيمها على مستوى المجتمع والدولة بشكل عام. غير ان جذور الميثاقية مغروسة في العيش المشترك وهو دون غيره مصدر الميثاقية، وشرعية السلطة تستمدها من مدى احترام قراراتها لمستلزمات هذا العيش المشترك، وأولها المساواة بين المواطنين أمام القانون، وشرط المساواة المطلق، هو حصرية السلاح بيد الدولة.

نعم الميثاقية مفقودة في لبنان، لكن بين حزب الله ومعظم اللبنانيين، منذ ارتضاء حزب للله سلخ لبنانية الطائفة الشيعية والحاقها بإيران، بواسطة الدين والمال والسلاح. وإذا كان لا بد من حوار وطني فهو حول هذه الفجيعة الوطنية وما ترتّب ويترتب عليها.

حصرية السلاح بيد الدولة هي الخطوة الأولى نحو استرجاع أواصر هذه الميثاقية المفقودة. وليس غير الميثاقية، ومصدرها العيش المشترك، ما يحمي شيعة لبنان من المخاطر التي تحيط بهم، وما يسمح للدولة بالعمل على وقف الاعتداءات الاسرائيلية وتحرير الأراضي المحتلة. وخاصة ان الجيش اللبناني هو من سيقوم بهذه المهمة بمساندة سياسية دبلوماسية، ومؤسسة الجيش هي المختبر الفعلي للعيش المشترك الذي من المفترض ان يرتاح اليه شيعة لبنان، بقياداته وعناصره الشيعية الوازنة.

أليس مستغربا ان يصبح قيام الدولة، بحسب حزب الله، مرادفا للحرب الأهلية، في حين ان الحرب الأهلية، بحسب معظم اللبنانيين، هي في الاساس نتيجة لغياب الدولة؟ هذا التناقض الجوهري بين النظرتين، هو المؤشر الابرز والأخطر لغياب الميثاقية، اي العيش المشترك، بين حزب الله ومعظم اللبنانيين.

اخترنا لك