بقلم خلود وتار قاسم
أريد أن أحيا هذه الكلمات كصرخة واعتراف في آن: أنقل لكم صراعًا لا يهدأ في داخلي، حبًّا لا حدود له لحق أي شعب في الدفاع عن أرضه وكرامته، ووجعًا لا ينطفئ أمام دماء البريء التي تُهدَر بلا استئذان.
أنا مع المقاومة حين تكون دفاعًا عن الأرض والإنسان والحرية. أنا مع من يقفون بصدور مكشوفة في وجه احتلال وظلم، لأن الحق في الكرامة لا يُنتزع إلا بالوقوف. لكني أيضًا أحتضن طفلًا يرتجف من صوت قذيفة، امرأةً تفقد بيتها، شيخًا يبكي على سنوات عمر ذهبت كلها بلا ذنب، وأقول: هل لمن يقذف الرصاص في صدور الأطفال قلبٌ أم أنه دارة إلكترونية تشتغل بلا رحمة؟
أحدق في وجه الجلاد الكبير، ذاك الغودزيلا الذي يدوس على الأرواح دون أن يرفَّ له جفن، وأسأل بصوت عالي ومرتجف: كيف لخلقٍ يُدعى إنسانًا أن يرى طفلًا يتفحّم أو يتشظّى أمام عينيه ولا يهتج في صدره شيء؟ كيف؟ أحيانًا يبدو لي أنه آلة تبرمجت على قتل بلا حس ولا تردد؛ آلة لا تعرف أن الطوفان الذي تثيره سيعود يومًا ليغسل بابها أيضًا.
هذا ليس ترددًا أخلاقيًا بليدًا، ولا تبريرًا لصمتٍ جبان. هو صرخة داخلية: المقاومة شرف إذا حمت الناس وحررتهم. لكنها تتحوّل إلى جريمة حين تُؤتى الوسائل على لحم البراءة. وكلما تراخت حدود التمييز بين مقاتل وطفل، صار العنف فوضى تأكل المجتمع من كل جوانبه، فتُسرق الأرض، ويُسرق الضمير معها، ويجني المنتفعون ثمار الألم.
أقف مكبّرة القلب، أؤمن بحق الشعوب في المقاومة، وأؤمن أيضًا بأن الإنسانية ليست رفاهية تُترك على طاولة السياسة. لا يقاس الشرف بعدد الأسلحة، بل بقدرتنا على ألا نجعل من دم الأطفال غنيمة سياسية. أرفض أن تصبح سوءِ الفهم ذريعة لتبرير سيلٍ من الدماء. أرفض أن نعيش في عالمٍ تصير فيه الضحايا مجرد أرقام وسط حفلات القسوة.
لستُ حيادية، ولكني أختار أن أكون إنسانية قبل كل شيء. أختار أن أرفع صوتي مع كل من يقاتل الظلم، وأرفع صراخي أعلى حين يُسلب طفل حلمه وطفولته. سأدافع عن الحق في المقاومة، وسأدافع أكثر عن الحق في ألا يُقتل إنسان بلا ذنب. لأننا إن فقدنا إنسانيتنا، فلا معنى لأي نصر.
هذا الصراع يعيش في صدري, حب للكرامة، وحب أكبر للحياة البريئة. قد أصرخ غدًا بوجه العالم كله؛ وقد أمسك صمتي احترامًا لجراح من فقدناهم. لكني دائمًا، إلى جانب الأرض وأهلها الطاهرين، مرسومة في قلبي معادلة واحدة: العدالة لا تُبنى على دم الأطفال.