بقلم سمير سكاف – كاتب وخبير في الشؤون الدولية
انتهت الحرب في غزة، ولكن بمفعول لاحق!
انتهت الحرب في غزة ولكن الغارات والمعارك لم تنتهِ بعد!
كُتبت فصول نهاية الحرب رسمياً في اتفاق شرم الشيخ. ولكن تنفيذها سيحتاج الى بعض الوقت. وهي قد تمر بمرحلة عنف جديدة إذا ما تراجعت حركة حماس عن تنفيذها لبند تسليم سلاحها… بالكامل!
إذ لا يمكن للمرحلة الثانية من مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألا تدخل حيز التنفيذ.
فالخيار أمام حماس، ما يزال على حاله، هو إما “الانتحار” أو الإعدام!
ففي مبادرة الرئيس ترامب “انتحار” حماس هو المدخل لإعادة بناء غزة!
إن مؤتمر شرم الشيخ، بهيكليته وحجمه، هو مؤتمر واعد لغزة ولدولة فلسطين وللسلام في الشرق الأوسط.
ولكن الطريق طويلة وما تزال شائكة، وإن كانت كل الأمور يبدو وكأنها قد وُضعت على السكة الصحيحة هذه المرة!
تتحضر غزة لمرحلة إعادة إعمار، ولإعادة بناء السلطة الفلسطينية التي ستستلم الحكم في غزة في النهاية، بعد إصلاح الأمن والإدارة والبنية التحتية والأطر المالية.
والثابت، أن كل السيناريوهات الدولية تجمع على عدم وجود حماس في غزة في مرحلة الإعمار، لا سياسياً ولا عسكرياً ولا أمنياً ولا سلطوياً!
وعليه، تتحضر غزة لاحقاً لاستقبال 5.000 شرطي للأمن الداخلي تمّ تدريبهم في مصر والأردن، وحوالى 11.000 جندياً (تقديرياً) لقوات حفظ سلام دولية وعربية، على طريقة اليونيفيل في لبنان، بعد إقرار ذلك بقرار في مجلس الأمن!
كيف انتحرت حماس؟!
كانت لحظة ضغط حركة حماس على زناد المسدس التي وجهته كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على رأسها في اللحظة التي أعطت فيها الموافقة على تسليم كل الأسرى الإسرائيليين لديها، الاحياء والأموات. وخاصةً الأحياء منهم.
فلو أرادات حماس رفض “عرض” الانتحار “المغري” لها لما كانت قبلت بتسليم كل الأسرى الاحياء لديها!
بتسليم حماس للأسرى خسرت الحركة آخر ورقة ضغط بين يديها ضد إسرائيل وضد حكومة بنيامين نتانياهو وضد الولايات المتحدة. لا بل إنها خسرت بذلك آخر نفس لها!
اختارت حماس الانتحار بدلاً من الإعدام. فالانتحار بالفعل لم يكن خياراً، بل كان حتمياً بدلاً من حتمية الإعدام!
والفارق أن إعدام إسرائيل لحماس، كان يمكن أن يتحقق، وما يزال يمكن أن يتحقق، بضوء أخضر من الرئيس دونالد ترامب لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو!
نتانياهو الذي كان سيقتل، وهو على الأرجح سيستمر، المزيد والكثير من أهالي قطاع غزة ومن أهالي مدينة غزة، استكمالاً لتنفيذ عمليات عربات جدعون I، وعربات جدعون II، وعملية الحصار والتجويع والتدمير…
إعدام حماس قرار بإجماع دولي لا رجوع عنه!
لا تدخل حماس في أي مستقبل سياسي أو عسكري لغزة من كُل ما رُسم لها دولياً!
الحزم في إعدام حماس جاء انطلاقاً من مبادرة الرئيس ترامب، الى الاجتماعات الأممية بمبادرة ورئاسة فرنسا والسعودية ومشروع حل الدولتين، الى سلسلة الاعترافات بدولة فلسطين، الى اجتماعات باريس حول غزة، الى زيارة الرئيس ترامب للكنيست، وصولاً الى قمة شرم الشيخ!
إن نقطة التلاقي بين كل هذه المبادرات والتحركات الدولية هو إخراج حماس من المعادلة الفلسطينية… بالكامل!
وتدرك حماس، وهي تحاول أن تتجاهل، أنه لم يعد هناك مساحة لها للمناورة بعد تسليمها لآخر الأسرى الأحياء!
فقد أصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو “حراً” للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر 2023! فهو تخلص من عبء الأسرى، وتخلص من عبء ضغط أهاليهم، وتخلص من التظاهرات المعادية!
وتدرك حماس أن نتانياهو لن يتردد باستكمال الحرب المدمرة ضدها وجرف ما تبقى من غزة وتحميلها مسؤولية ذلك، بقبول وبغطاء دولي كبير هذه المرة، وليس أميركياً فقط!
ضمانات تسليم السلاح
إن تسليم حماس لسلاحها يُفترض ان يكون “مضموناً”!
والضمانة لتسليم سلاح حماس هي توقيع كل من مصر وقطر وتركيا لاتفاق شرم الشيخ. وهو توقيع يضمن، مبدئياً، “تصرفات” حماس!
فمصر هي المرجعية اللوجستية لحماس. وقطر هي المرجعية المالية، وقطر وتركيا هما المرجعيتان الدينيتان للحركة. والبلدان الثلاثة وقعت على اتفاق شرم الشيخ! وهي قادرة “فعلياً” على شل حركتها!
ويجري العمل على المرحلة الثانية من مبادرة الرئيس ترامب، على الرغم من موجة الاعدامات التي نفذتها وتنفذها حماس ضد من تعتبرهم عملاء لاسرائيل، وعلى الرغم من الخلافات المسلحة الداخلية.
وحتى ولو كانت حماس تعمل أيضاً على السيطرة على العائلات الغزاوية وعلى الموجات والأصوات في غزة التي بدأت تحملها مسؤولية نتائج الحرب الكارثية ونتائج الجرائم الاسرائيلية عليهم وعلى عائلاتهم!
شرم شيخ أبعد من غزة!
في شرم الشيخ، كبرى الدول الإسلامية رشحت الرئيس دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام العام المقبل. تماماً كما فعل قادة اسرائيل في الكنيست احتفاءاً بترامب!
في الشكل، وفي الحشود الرئاسية، أعطى مؤتمر شرم الشيخ، بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الكنيست الاسرائيلي بعداً إقليمياً ودولياً للسلام في الشرق الأوسط.
وفي الشكل أيضاً، لم يحضر شرم الشيخ رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو. وقد يكون هذا السبب هو عدم توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على هذا الاتفاق في الشكل، الذي يوافق عليه في المضمون.
ولم يشارك في شرم الشيخ وفد رسمي من حماس! بل كانت حماس حاضرة بقوة… غيابياً!
وكذلك غاب عن المؤتمر قيادات عربية بارزة مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد.
ومع ذلك، فإن مؤتمر شرم الشيخ أطلق حركة ورعاية دولية غير مسبوقة. وسكة السلام في الشرق الأوسط تبدو وكأنها قد انطلقت… من دون ألغام كبيرة، بانتظار عملية “إخضاع” إيران وتغيير النظام فيها، وبانتظار حرب مدمرة لن تكون بعيدة ضد حزب الله في لبنان بهدف إنهائه عسكرياً وإنهاء ما تبقى من سلاحه!