بقلم خلود وتار قاسم
حين تساق إلينا المصطلحات من وراء البحار، نحملها بحماسةٍ العطشى ونظن أن فيها خلاصنا. قلنا إن الديمقراطية هي الحل، فرفعنا الشعارات، وصرخنا في الساحات، وصدّقنا أن صوت الصندوق قادر على إنقاذ وطنٍ غارقٍ في الفساد والتبعية.
لكننا نسينا أن الديمقراطية ليست كلماتٍ تُستورد، بل ثقافةٌ تُزرع في الوعي، وتُبنى عبر أجيال من التربية والمسؤولية والاحترام.
فماذا كانت النتيجة؟
ثوراتٌ أكلت أبناءها، مجتمعاتٌ تهاوت، هويّاتٌ تمزّقت، ومذاهبٌ تشظّت حتى صار الأخ يخاصم أخاه باسم الحرية، والجار يعادي جاره باسم الاختلاف.
تغيّر شكل الخرائط، لكنّ الإنسان خسر ذاته.
تفرّقت الشعوب، وتشردت العائلات، وضاع الإرث الثقافي الذي كان يميّزنا عن باقي الأمم.
أهكذا تكون الديمقراطية؟
هل المطلوب أن ننهار كي نثبت أننا أحرار؟
وهل الحرية تعني أن نفتح الباب لكل من يجهل المعنى ليتكلم باسم الوطن؟
وفي المقابل، نرى اليوم نماذج من الحكم الرشيد تثبت أن العدل أهم من الشكل السياسي للنظام.
ففي دولة الإمارات، مثلًا، يتجلّى نموذجٌ متفرّد من القيادة الواعية التي لا تُصنَّف ديمقراطيةً بالمعنى الغربي، لكنها تُجسّد العدالة والاحترام، وتحمي المواطن، وتصون الأمن والكرامة.
هنا تُحترم الكلمة ولكن لا يُسمح لها أن تهدم الوطن، وهنا تُبنى المدن وتُصان الكفاءات وتُحفظ الهوية في ظل قيادة تُجسّد مفهوم “الدكتاتور العادل”،ذاك الذي لا يحكم بعصا القمع، بل بعقل الحكمة، وحزم الحماية، وعدل القرار.
فكم من ديمقراطياتٍ أنتجت فوضى، وكم من أنظمةٍ قوية أنجبت استقرارًا ورخاءً.
الحرية لا تُقاس بعدد الأصوات، بل بكرامة المواطن وأمنه.
وفي أيار 2026، يُفترض أن تعيش شعوبنا “عرسها الديمقراطي” من جديد، نحتفل بالصناديق والوعود والبرامج والخطابات… لكن في كل تجربةٍ، على الأقل تلك التي خضتها أنا، كان المشهد يتكرر: تعدّيات، فساد، محسوبيات، سرقات أصوات، وتلاعب بإرادة الناس.
وفي النهاية، تعيد السلطة إنتاج نفسها، ويُخذل كل من مارس حقه الديمقراطي بإيمانٍ ونزاهة، محاولًا أن يدعم من يثق بفكره ورؤيته ليصل إلى مراكز القرار.
فماذا سيحصل يوم الانتخابات القادمة ؟
هل ستكون المشهدية مختلفة؟ أم أننا سنكتشف مجددًا أن “العرس الديمقراطي” ما هو إلا حفلٌ يُعاد إخراجه بإتقان، بينما العروس الحقيقية “إرادة الشعب” ما تزال غائبة عن المسرح؟
ربّما ما نحتاجه اليوم ليس ديمقراطيةً مُستوردة، بل نظامًا عادلًا يحكم بالعقل لا بالهوى، وبالحق لا بالشعارات، نظامًا يعرف أن الحرية مسؤولية، وأن الكلمة إذا لم تُوزن بالعقل قد تهدم وطنًا بأكمله.
فالتاريخ لم يخلُ يومًا من “دكتاتورٍ عادل” أنقذ شعبه من فوضى الحالمين بالحرية دون وعي، وصان وطنه من فوضى الكلمات.