يوم توعوي عن التنوع البيولوجي ومكافحة #الصيد الجائر في #عالية
–
بقلم كوثَر شيا
في زمنٍ يتراجع فيه صوت الطبيعة أمام ضجيج المدن، اجتمعنا في المركز الثقافي في مدينة عاليه يوم السبت ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٥، في محاضرة حملت عنوان «لنحمي الطبيعة… بمكافحة الصيد الجائر»، بدعوة من جمعية Walk And Discover Group، وبرعاية بلدية عاليه ورئيسها الأستاذ وجدي مراد، وبمشاركة عدد كبير من النشطاء والمهتمين بحماية البيئة والتنوع البيولوجي.
كانت القاعة مفعمة بالحضور الواعي، وجوه اجتمعت على حب الحياة والطيور، وعلى الإيمان بأنّ لبنان، الذي يمرّ فوقه أكثر من ٥٠٠ مليون طائر مهاجر سنويًا، هو وطن الأجنحة الحرّة، لا ميدان للرصاص.
بين الجغرافيا والروح: لبنان بوابة الطيور إلى القارات
بدأ العرض بمشاهد تُظهر خريطة الهجرة العالمية للطيور، حيث يشكّل لبنان محورًا أساسيًا في المسار الشرقي للهجرة الذي يربط أفريقيا بأوروبا وآسيا.
هذه الأرض الصغيرة هي جسر الحياة للنسور والصقور والبوم واللقالق، ولكل طائر منها رسالة توازنٍ بين السماء والأرض.
تحدث الخبراء من SPNL – جمعية حماية الطبيعة في لبنان، ووحدة مكافحة الصيد الجائر (APU)، وCABS Bird Guard عن الدور البيئي المحوري للطيور في حفظ النظام الإيكولوجي: من مكافحة الحشرات إلى تلقيح النباتات ونشر البذور، مؤكدين أن كل رصاصة طائشة تُسقِط توازن منظومة كاملة.
اقتصاد الحياة: الفائدة البيئية والسياحية من حماية الطيور
من الحقائق المؤثرة التي طُرحت خلال المحاضرة أنّ السياحة البيئية المرتبطة بمراقبة الطيور حول العالم تُدرّ أكثر من ٩٥ مليار دولار سنويًا بحلول عام ٢٠٣٠.
فحماية الطيور ليست عملاً إنسانيًا فحسب، بل استثمار في اقتصادٍ أخضرٍ مستدام يخلق فرص عمل، وينعش القرى الجبلية والساحلية، ويعيد للبنان مكانته كـ«محميّة المتوسط».
مكافحة الصيد الجائر: من الوعي إلى الفعل
عُرضت مشاهد ميدانية لعمليات مكافحة الصيد الجائر بالتعاون بين القوى الأمنية وفريق CABS Bird Guard، حيث أُزيلت شباك الصيد غير الشرعية، وضُبطت أسلحة، وصودرت طيور نادرة مهددة بالانقراض.
كانت الرسالة واضحة: القانون هو حامي الحياة، والمسؤولية مشتركة بين المواطن والدولة.
كما تمّ توقيع وثيقة دعم لمبادرة مكافحة الصيد الجائر، بمشاركة وزراء ونواب وقادة أمنيين وشخصيات بيئية، في تأكيدٍ وطنيّ على وحدة الهدف.
من الطبيعة إلى الإنسان: الطيور مرآة أرواحنا
تحدث أحد المحاضرين عن الجانب الفلسفي والروحي للطيور قائلًا:
“الطيور لا تهاجر هربًا، بل تسافر بحثًا عن التوازن. إنها تذكّرنا بالرحلة الداخلية التي يجب أن نقوم بها نحن البشر نحو وعيٍ أوسع بالكون.”
ففي كل طائر رسالة سلام، وفي كل جناحٍ ينبض قانون الطبيعة الأسمى: أن نعيش ونسمح للآخر أن يعيش.
دعوة إلى الفعل المشترك
اختُتم اللقاء بنداءٍ صادق من المنظّمين، ركّز على أهمية تنظيم الصيد والتمييز بين الصياد الواعي والمزارع المحب للطبيعة، وبين القنّاص الذي يخلّ بالتوازن البيولوجي من خلال الصيد العشوائي والمزارع من خلال استخدام السموم والمبيدات الكيميائية تقتل الطيور وتسمم التربة وتأثر على صحة الإنسان.
ورُويت خلال المحاضرة قصة مؤثرة لمزارعٍ من البقاع:
زرع أرضه قمحًا، لكنّ الفئران التهمت المحصول رغم محاولاته الكثيرة للقضاء عليها بالسموم. بعد عام، عاد المزارع ليفلح الأرض، فجاءت الطيور إلى حقله السنونو والبوم وأكلت الفئران وبنت أوكارها هناك.
منذ ذلك اليوم، لم يعد بحاجة إلى أي مادة كيميائية. فقد علّمته الطبيعة أنّ التنوّع البيولوجي هو الحلّ الأمثل لتوازن الحياة.
“لنحمي الطبيعة بوعينا وسلوكنا اليومي لا نطلق النار، بل نزرع الأشجار. لا نصطاد، بل نراقب ونستمتع. لا نخرّب، بل نحمي.”
كما عرض المنظّمون نماذج من الأفاعي غير السامة التي تتغذى على الفئران والزواحف، وأوضحوا كيف تسهم البومة والطيور الأخرى في الحدّ من انتشار الحشرات.
وهكذا يظهر التنوّع البيولوجي كمنظومة إلهية متكاملة، حيث كل كائنٍ يؤدي دوره في دورة الحياة.
رسالة من Walk and Discover Group
“كل رحلة في الطبيعة هي رحلة نحو الذات، وكل مبادرة لحماية الحياة البرية هي صلاة صامتة من أجل كوكبٍ أكثر سلامًا.”
ما شهدناه في عاليه لم يكن مجرد محاضرة، بل نقطة تحوّل في الوعي البيئي الجماعي.
أن نحمي الطيور، يعني أن نحمي أرواحنا من التوحّش، وأن نعيد للبنان وجهه الحقيقي بلد الأرز والحرية، بلد الأجنحة الطليقة التي تعانق السماء.