حين يفقد القلب إيمانه… يفقد كل شيء بريقه

لم يعد للذهب قيمة، ولا للألماس ذلك البريق الذي كان يخطف الأبصار. لم تعد الأدمغة النادرة تُدهشنا كما كانت، ولا الإنسان ذاته يحتفظ بقيمته الجوهرية.

لقد أصبح كل شيء يُنتَج ويُصنع: الجمال يُنحَت، الذكاء يُبرمَج، وحتى المشاعر باتت تُدرَّس وتُقلَّد. نحن نعيش في زمنٍ صار فيه كل ما كان يومًا نادرًا ومقدسًا… قابلاً للاستنساخ والاستهلاك.

لكن الكارثة الحقيقية ليست في المصانع التي جعلت الأشياء متاحة. الكارثة هي في القلب حين يفرغ. حين يخرج الإيمان منه، ويصبح الإنسان جسدًا بلا روح، وعقلًا بلا بصيرة، وطموحًا بلا معنى.

لقد كان الإنسان يومًا يقيس قيمة الأشياء بما تحمله من صدق، من أثر، من قصة، من روح. أما اليوم، فنحن نقيس كل شيء بالأرقام: ثمن، حجم، سرعة، انتشار. صارت المادة هي الحاكم الأعلى… تملأ حياتنا حتى تخنق أرواحنا.

نركض ولا نعرف لماذا. نملك أكثر ولا نشعر بشيء. نُراكم الأشياء كأنها ستُنقذنا من الفناء، بينما هي في الحقيقة تزيد غربتنا عن أنفسنا وعن بعضنا البعض.

إن فقدان الإيمان لا يعني فقط غياب الصلاة أو الطقوس. الإيمان هو تلك الشعلة التي تُذكّر الإنسان بكرامته، بقدسيته، بأن وجوده ليس صدفة، وأن للحياة غاية تتجاوز الشراء والبيع والنجاح السريع.

الإيمان هو ما يجعل قلوبنا تعرف الحب الحقيقي لا الحب المستعار، الرحمة لا الندية، العطاء لا الاستهلاك.

حين يخرج الإيمان من القلب، يصبح الإنسان هشًا، مهما امتلك، ومهما أضاءت حياته من الخارج. هشٌ كزجاجة لامعة فارغة من الداخل. نتصرف بقسوة لأن قلوبنا جفّت. نتهافت على المظاهر لأن أعماقنا خالية. نعيش في ضوضاء مستمرة حتى لا نسمع فراغنا الداخلي.

الذهب يفقد قيمته حين لا تكون هناك روح تعرف كيف تقدّره. الألماس يفقد بريقه حين لا يكون هناك قلب قادر على رؤية الجمال. الذكاء يفقد معناه حين لا يكون موجَّهًا نحو الخير والإنسانية. والإنسان يفقد قيمته حين ينفصل عن جوهره… عن إيمانه.

ما ينقذنا اليوم ليس المزيد من الأشياء. بل العودة إلى الداخل. إلى الصدق مع النفس. إلى الطمأنينة التي لا تُشترى. إلى لحظة نقف فيها أمام الله، ونقول:
يا رب، إن كان في قلبي ما يغنيني عنك، فخذْه منّي. وإن كان ما عندي لا يوصِلُني إليك، فلا حاجة لي به.

إن القيمة الحقيقية لا تأتي من الخارج… إنها تُولد من الروح.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com