هذا ما أطلبه من أسقف روما

لن أدخل في الأسباب المتشابكة والمعقّدة، الرسوليّة والدينيّة والإيمانيّة والإنسانويّة والقيميّة والاجتماعيّة والسياسيّة وسواها، التي تحمل أسقف روما على زيارة لبنان. وهي أسبابٌ بالغة الأهميّة.

كما لن أتناول أيضًا علاقة الفاتيكان بالكنائس الشرقيّة، وهموم هذه الكنائس، ومشكلاتها، وأزماتها، ومن ضمنها كنيسة لبنان.

ما يعنيني في هذا “الملحق” المضاف إلى رسالتي المفتوحة إلى لاوون الرابع عشر، والمنشورة في “نهار” الإثنين 3 تشرين الثاني 2025، هو الآتي:

إذا كان من جدوى عملانيّة (faisabilite) لزيارة أسقف روما للبنان وتركيا، المقرّرة بين 27 تشرين الثاني و2 كانون الأوّل، فالجدوى هي أنْ ينتزع لاوون الرابع عشر من “العالم” قرارًا سياسيًّا، قانونيًّا، وتطبيقيًّا (من مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة)، يُنفَّذ على الفور، يُستثنى لبنان بموجبه من لعبة الأمم، فلا يعود ساحةً، ولا ممرًّا، ولا حجر شطرنج، فتمتنع هذه الأمم، طوعًا أو إنفاذًا للقرار الأممي، عن استخدام لبنان، كيانًا ووجودًا ودولةً، وعن استخدام الجماعات اللبنانيّة في لعبة العالم القذرة، وذلك لمرّةٍ واحدةٍ ونهائيّة.

هل هي “خدمة” يقدّمها العالم إلى الفاتيكان؟ وكيف سيتحقّق ذلك؟
لا. ليست خدمة (مجّانيّة). إذ يفترض أن يندرج هذا القرار الأمميّ في إطار تبادل المنافع السياسيّة والمعنويّة بين الكرسيّ الرسوليّ (باعتباره دولة) ومجمع الأمم والدول العظمى ذات التأثير. وفي ضوء تبادل المنافع هذا، المتعارَف عليه، “يطلب” الفاتيكان لنفسه أن يمنحه العالم هذا “الاستثناء” المعنويّ والسياسيّ، على أنْ يسدّد هو للعالم ما يقابل هذا المطلب – “الهديّة”، وما يوازيه.

لا بدّ أنّ الفاتيكان يعرف ما هو المقابل الذي يطلبه العالم، ويعرف كيف يسدّد هذا المقابل.

ما فحوى هذا المطلب؟

أنْ توضع اليد الأمميّة سلميًّا على لبنان في مرحلةٍ محدّدة وانتقاليّة، هي الآن، وفورًا (لا على طريقة الاحتلال والانتداب والوصاية)، فيُحيَّد تحييدًا نهائيًّا عمّا يعتريه من أعطاب الداخل، وعمّا يعتري الجوار الإقليميّ من قضايا ومسائل مستعصية، وعمّا يعصف بهذا الجوار (وبالعالم كلّه) من مطامع ومصالح.

أي: تحييد لبنان عمّا يعتريه من أعطاب الداخل اللبنانيّ، بحيث لا تعود الجماعات اللبنانيّة المتناحرة قادرةً – مجتمعةً أو منفردةً – على استدراج الخارج ليكون شريكًا في حساباتها الداخليّة.

تحييد لبنان عمّا يعتري الجوار الإقليميّ من قضايا ومسائل مستعصية، وفي مقدّمها ما له علاقة بمطامع إسرائيل في لبنان، وبالصراع العربيّ – الإسرائيليّ، وبالمسألة الفلسطينيّة.

تحييد لبنان عمّا يعصف بهذا الجوار الإقليميّ المتعدّد (العربيّ والإيرانيّ والتركيّ وسوى هؤلاء) من مصالح ومطامع.

تحييد لبنان عن الصراعات الأمميّة، في الشرق والغرب، كما في الشمال والجنوب.

لقد أراد الفاتيكان للبنان أنْ يكون مختبرًا إنسانيًّا للأنسنة.

لكي يتحقّق هذا السعي، يجب أنْ تتحقّق الخطوة الأولى بإعلانٍ أمميٍّ توافقيّ قابلٍ للتطبيق السلميّ الفوريّ، بتحييد لبنان ووضع اليد عليه بسلاسة وعقلنة وعدالة ومساواة، بالتوازي مع زيارة لاوون الرابع عشر، كإشارةٍ لا بدّ منها على طريق تحقيق مشروع “لبنان الوطن الرسالة”، الذي قال به أسقف روما يوحنّا بولس الثاني في أحد الأيّام من أيّار 1997 خلال زيارته التاريخيّة للوطن الموعود.

هل يطلب الفاتيكان هذا الطلب من العالم؟ هل يستجيب العالم؟

المسألة بالغة التعقيد، وأكاد أقول شبه مستحيلة. لكن هذا الـ”شبه مستحيل”، هو ما أعتقد أنّ الفاتيكان مدعوٌّ للقيام به.

وهذا ما أعتقد أنّ كرسيّ روما وحده قد يكون قادرًا على اجتراحه.

That is the question.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com