“قطع الطريق” : نهج “#حزب_الله” الأصلي والأصيل
بقلم غسان صليبي

كاتب
أفتّش منذ زمن عن تعبير يلخّص بكلمات قليلة نهج “حزب الله” في لبنان، على تنوّع أشكال ممارساته وأغراضها. فإذا ب”كتابه المفتوح” الموجّه الى الرئاسات الثلاث والى “أبناء شعبنا الأبي”، يلفت انتباهي الى تعبير إستخدَمَه ووجدته مناسبا تمامًا لما أبحث عنه.
قال حزب الله في المقدمة ان هدف “كتابه” هو “قطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة جر الدولة اللبنانيّة الى جولات تفاوض جديدة”. تلاحظون معي بالتأّكيد تعبير “قطع الطريق” المستخدم. قَفَزَت الى ذهني فجأةً سلسلة من الممارسات التي قام بها حزب الله منذ نشأته وحتى اليوم، والتي يمكن وضعها جميعًا، باختلاف أنواعها، تحت عنوان “قطع الطريق”. اليكم القليل القليل من هذه الممارسات:
- قطع الطريق على التطوّر المجتمعي داخل الطائفة الشيعيّة: الترقّي الاجتماعي عن طريق المهنة والعلم؛ الانفتاح على الحريات والأحزاب اليسارية والعلمانية والبيئات الطائفية الأخرى، الإندماج في الكيان اللبناني، كما بيّنت الكثير من الدراسات قبيل هيمنة حزب الله على الطائفة الشيعية، مستخدماً المال والسلاح، باسم الدين.
- قطع الطريق على “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانيّة” كحركة مقاومة وكمشروع علماني – يساري.
- قطع الطريق على إمكانيّة الإنتقال من حالة الحرب الى حالة السلم بعد التحرير سنة 2000، من خلال ابتداع إشكاليّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
- قطع الطريق على إنتفاضة 17 تشرين وما كان يمكن ان تحمله معها من تغيير على المستويات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسياسيّة.
- قطع الطريق على التحقيق في تفجير المرفأ.
- قطع الطريق على تطبيق الدستور ونظامه الديمقراطي البرلماني من خلال تعطيل عمليات إنتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل الحكومات.
- قطع الطريق أمام كل المحاولات الخارجيّة لوقف حرب الإسناد وتجنيب البلاد النكبة الحاليّة.
- قطع الطريق امام إعادة بناء الدولة من خلال التمسّك بالسلاح ورفض لحصريته بيد الدولة.
- قطع الطريق أمام اقتراع المغتربين.
“قطع الطريق” هو ممارسة ممانعاتية بإمتياز: منع اشتغال آليات الدولة، بموازاة بناء وتفعيل آليات اشتغال الدويلة، وبحيث تتمدد الثانية على حساب الأولى. الطريق الوحيدة التي يفتحها حزب الله امامنا هي “طريق القدس”، طريق الاستشهاد والموت.
نظرت بشيء من الإيجابية الى “كتاب حزب الله” الموجّه الى اللبنانيين. فبعد ان كان الراحل السيد حسن نصرالله يعتبر انه مكلّف من الله بما يقوم به، مجيباً كل من ينتقده بسؤال “ليش انت انسان؟”، في احتقار علني لرأي مواطنيه، ها هو “حزب الله” يقرر مخاطبة الرؤساء واللبنانيين لشرح مواقفه. وكأنه بذلك، بدأ يعتبرنا بشراً من حقنا ان نسائله، ربما لأن شوكته العسكرية انكسرت، فحلّ عليه شيء من التواضع في تعامله مع مواطنيه.
لكن “الكتاب”، يحاول كما درجت العادة، قطع الطريق مجدداً على كل ما قررته الدولة. الجديد الوحيد ان “حزب الله” ينطلق في مواقفه من صفته “مكوّن مؤسس للبنان”. دعكم من إدعائه احتكار تمثيل الطائفة الشيعية ككل، او كأنه كان موجوداً عند نشأة الكيان اللبناني. الأخطر من كل ذلك، انه يعطي لنفسه الحق “كمكوّن مؤسس” بإتخاذ القرارات دون موافقة الدولة. أي انه يتصرف وكأن البلاد لا تزال مجموعة مكوّنات مستقلة عن بعضها، ولم ينشأ من اتحادها دولة، التمثيل والقرارات فيها تخضع لنظام برلماني ديمقراطي. وفي هذا السياق نسأله كيف يخاطب رؤساء لا يعترف بهم، وشعب لا يزال مجموعة شعوب لا دولة تجمعهم؟ على القارئ ان يقرر اذا كان ذلك خبثٌ ام هذيان كلّي.
في الحالتين، هذا قطعٌ لطريق الافتراض، ان دولة نشأت بعد اتفاق المكوّنات الطائفية على تأسيس الكيان.
لست من الذين يريدون التعويل على إسرائيل في فتح طرق “حزب الله” المقطوعة، كما حصل بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، اذ فُتحت فجأة طريق انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، على أثر إضعاف “حزب الله” عسكرياً. فإسرائيل لا تفتح الطرق بل تدمّرها حتى لا نعود نميّز بينها، تماماً كما حصل في غزة. كما انها تقتل شعبنا وتهجّره وتدمّر منازله وارزاقه، بحجة القضاء على حزب الله. فضلا عن احتمال توسيع احتلالها وتثبيته عبر اتفاق إذعان جديد.
يا ليت “حزب الله” يبعد عن نفسه وعن بيئته وعن اللبنانيين الكأس المرة للعدوان الإسرائيلي القادم الذي تهددنا به اميركا وإسرائيل. ياليته يتبادل الأدوار هذه المرة مع الدولة، فيخضع هو لقراراتها فيما تقطع هي الطريق على العدوان الإسرائيلي. لكن الامر يتعلق أكثر بالحرب التي تعدّ لها إسرائيل على إيران. فهل تسبق الحرب على ايران الحرب على لبنان، وهل ينخرط فيها الحزب دفاعاً عن النظام الإيراني المهدد هذه المرة، ام يستبق سقوطه ويوفّر على بلاده نكبة جديدة؟ للأسف عوّدنا “حزب الله” على توقع الاحتمالات الأسوء له ولنا.