خلود وتار قاسم
@kholoudwk

كاتبة وناشطة سياسية
غريبٌ كيف تُصاغ تصرّفاتنا أحيانًا وفق الطريقة التي وُضعنا فيها!
وغريب كيف نسمح لمن يعرف نقاط ضعفنا أن يوجّهنا حيث يريد!
وكأننا وُضعنا في صندوق ضيّق لم نعد قادرين على الخروج منه…
وبرغم كل الانفتاح والوسائل المتاحة أمامنا لصياغة مفهوم وطني يخدم المصلحة العامة، ما زلنا نتأرجح بين خيارٍ مألوف نخشى تغييره، أو فوضى لا تخدم مستقبلنا.
عند قراءة المشهد القديم القريب، والمشهد الحالي، والصورة المتوقعة للمستقبل، يتبيّن بوضوح أننا كنّا وما زلنا على حافة الانهيار. كل المؤشرات كانت تنذر بالخطر، وكل التحذيرات القديمة كرّرت نفس الرسالة: البلد يسير نحو الهاوية إذا لم تُتَّخذ خطوات عقلانية ومسؤولة.
ومع مرور الوقت، بات واضحًا أن الحالة السياسية والاجتماعية في لبنان تتعرض اليوم لشدٍّ وجرّ متعمدين، وكأن هناك من يريد دفع الناس نحو الانفجار الكبير الذي سيحصد من جديد شبابًا وشاباتٍ لا ذنب لهم. البعض يردّد: “إذا ما كبرت ما بتصغر”، لكن السؤال البسيط هو: لمَ لا يضحّي هو وأولاده أولاً إذا كان مقتنعًا بهذا المنطق؟
كفانا شعارات فارغة ونظريات لا تُطعم جائعًا ولا تحفظ مستقبل بلد.
نحن في بلد لم يعرف السلام يومًا.
لم نُعطَ حقوقنا كمواطنين بلا وساطات.
ولم نهنأ يومًا بدولة تحترم إنسانها.
نحن أبناء وطن قدّم الدم جيلاً بعد جيل، ونزف ما يكفي من عمره وحياته.
المشكلة الأساسية ليست فقط في غياب تطبيق الدستور والقوانين، بل في غياب الآلية الوطنية القادرة على فرض احترامها. تركيبتنا السياسية المعقّدة لا تعمل وفق نظام حديث واضح، ولهذا السبب يستمر الانهيار من دون رادع.
وإذا لم نتحرّك بطريقة علمية ومدروسة، فالوضع الاجتماعي والاقتصادي سيزداد تدهورًا، والناس «سترِث الجوع» قبل أن ترِث أي إصلاح.
اليوم، المطلوب هو إدارة عقلانية هادئة تخرج من دائرة الانفعال. علينا تجميع ما تبقى من طاقات وطنية حقيقية، وبناء خطوات متينة تستند إلى الواقع لا إلى الأمنيات. هناك مكاسب وفرص ثمينة يمكن البناء عليها، لكن ضياعها سيكون خسارة تاريخية.
ما الذي يمكن فعله الآن؟
المطالبة الجدية بقانون استقلالية القضاء، فهو الأساس لمحاكمة الفساد بلا استنسابية أو حماية سياسية.
تشكيل حكومة تكنو-سياسية واقعية من كفاءات حزبية وغير حزبية، بشرط أن تكون الوجوه نظيفة وخاضعة لقضاء مستقل ومحاسبة شفافة. إقصاء الجميع غير واقعي، والإبقاء عليهم جميعًا كارثي.
إجراء انتخابات نيابية خلال ستة أشهر لقياس نبض الناس وتحديد اتجاه البلاد سياسيًا.
معالجة ملفي الماء والكهرباء بشكل عاجل، بوقف الهدر والسرقة وملاحقة كل من دمّر المؤسستين عبر سنوات طويلة.
تنظيم ملفات الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومياه جوفية بحكمة ومسؤولية، لأن العدو يترصّد ضعفنا ويراهن على سقوطنا.
المرحلة حساسة، والتوقيت حاسم…
الجميع يعمل وفق مصالحه، داخليًا وخارجيًا، ولا أحد يبني تحالفاته على العواطف.
لكن بين هذا كله، هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء الوطن، لا يهمّ مصدرها بل كيفية إدارتها.
لبنان يستحق أن يكون وطنًا كريمًا لأهله.
وقد يكره البعض صوت العقل، وقد تكون الحقيقة صعبة، لكن مصلحة الوطن أهم من كل مزاج شخصي أو انفعالات لحظية.
أتمنى أن نناقش بالعلم والمنطق، لأنهما الطريق الوحيد إلى برّ الأمان.
ولنحذر من روايات تُفبرك وتُسوّق لتوجيه الناس إلى الفراغ؛ هي وقود الفتنة ودمار البلاد.
كلنا نريد لبنانًا لنا جميعًا،
وكلنا لهذا الوطن… فلنحافظ عليه.