بقلم عقل العويط

كاتب
نهارك سعيد. تسعون، وواحدٌ بعد التسعين، هو عمرُكِ. فكلّ عمرٍ، وكلّ عيدٍ، وهو اليوم، وأنتِ بخير.
والخرزةُ الزرقاء تردّ عنكِ الحاسدَ والشرّيرَ والشيطانَ، وتردّ التعبَ والأسى ومشقّةَ الدهر والدهور. فطوبى للخرزة الزرقاء، ولكِ الطوبى، وللثكالى، وللحزانى، وللودعاء، وللجياع، وللعطاش، وللأنقياء قلوبهم، وللرحماء، وللمضطهَدين من أجل الحقّ، وللشعراء، وللمساكين بالروح، فجميعكم سترثون شرفَ الأرض، وترثون حضنَ السماء.
ولا تتوقّفي عن الحياة. ولا تضجري. ولا تيأسي. وإيّاكِ ثمّ إيّاكِ أنْ تتوقّفي. وإنّما لأجل أنْ تظلّ الحياة تعرف الطريق إلى الحياة، وأنّكِ ها هنا، وأينما. وباقيةٌ إلى كتبٍ وسنينَ وأعمار.
ومن أجلكِ، وهلي، وريما، ومن أجل زياد، وليال، وعاصي، والشعر، والشتاء، ودوام الخير.
والتهيٌبُ شرطٌ، وأنا متهيّبٌ. والسكوتُ اللائقُ في العيد، ذهبٌ خالص، وأنا ساكتٌ. ولحظةُ حبٍّ واحدة تكفي، وتنوب عن الكلام كلّه. وإنّما أبوح بالقول الزاهد المتقشّف من مثل: أنْ تتمشّي قليلًا، أنْ تتنزّهي في الجنينة، في الخيال، في اللّاوعي، في الشرود، وأكثر من مرّة في اليوم، وأنْ تدندني، وتمارسي طقوسكِ، وأن تأخذي الماء ليس فقط عند العطش، وأنْ تواظبي الجلوس إلى المائدة. ما ألذّ جلوسكِ إلى مائدة!
وعليكِ بالقليل من القهوة. وبالنبيذ. فهما يطرّيان وجعَ الوجود.
وابتسمي مرّةً ومرّتين. ومثنى وثلاث. وهلمّ. ما أجملكِ عندما تبتسمين!
وتنفّسي ملءَ الزمان، ووسعَ المدى والمكان. وتنهّدي. فالتنهّد بابٌ إلى الفرَج، ويعزّي، ويفرّج عن القلب، ويطيّب هواجس الروح. ومن شأنه أنْ يجعل هذا الخريف، وكلّ عبءٍ، وكلّ ليلٍ، ليّنًا وعذبًا، كنسيمٍ عابرٍ في خاطر ملاكٍ ووردة.
وستظلّ الأتعابُ، وأشغالُ همومكِ كثيرةً، لكنّ المزمورَ سيظلّ يسألكِ عن الطريق إلى الغناء، وستظلّ الحبيبةُ تسأل الوصولَ إلى المحراب، والقمرُ يريد قطفَ السحر، وسرّ السهر على التلّة، والنبعُ سيسأل عن السبيل إلى الوادي إلى النهر، والنهر عن المآل إلى المصبّ إلى البحر. وهكذا.
نهارك سعيد.
يسوع الناصريّ، لا بدّ أنْ يزوركِ اليومَ، في عيد ميلادكِ، – بالشوق – وقبل الشتاء، ومعه أمّه، ويوحنّا، ليتفقّدوا الأحوال، ويطيّبوا الخاطر. وسيسألونكِ عن الشقاء، عن الصعوبة.
وهو، أي المسيح، لا ينسى الفقرَ، لا ينسى الجلجلةَ، ولا ينسى شيئًا، وسيعزّيكِ، ويفتح الأجندةَ طبعًا، ومكتوبٌ عليها تاريخُ ميلادكِ، والعيد، ولن يُخلّ، وسيدعو لكِ بطول العمر، ومن أجلكِ سيصلّي، وسترنّم معه الطيور والأشجار والغيوم والجبال والأودية، والأحلام ستغنّي، واللطائف.
وأفترضُ وأزعم أنّه سيضع يدَه على رأسكِ، وستحلّ البركة، وسيحمل باقةَ أشعار، ونظراتٍ، لا الرأفةُ والتحنانُ يُحصَيان فيها، وسيحمل اليكِ أرزةً من جبل لبنان، لتنضمّ إلى أعماركِ. وأعمارُكِ أرزات.
ويسوع سيسألكِ الجلوسَ لطفًا، وفنجانًا من الزوفى، وأنْ تغنّي له يا ساكن العالي طل من العالي. وأشياء أخرى.
وقد يصطحب معه حاملي الأبواق والصنوج، والعازفين على النايات، والسابحين في الهواء الطلق، والجوقة والكورس، ورفوف الملائكة والحساسين.
وإذا طاب له المقام، وسيطيب، فما أطيبها ستكون جلسةً، وإقامةً.
ورجاءً أنْ تعزميه، وتُلحّي، فسيلبّي، مثلما فعل في بيت عنيا، على سفح جبل الزيتون، حيث أورشليم القدس على مقربة، حيث كان هناك ألعازر وأختاه مريم ومرتا.
فأطعميه خبزًا وزيتونًا وجبنةً وزوباعًا وصعترًا على طريقتنا، ومن حواضر البيت.
وفي السهرة ساهرِي المسيح، وأمّه، ويوحنّا، وعندما الوقت المناسب، لا تنسي أنْ تسأليه عن حياتنا، عن موتانا، وأراضينا، وأعمالنا، وأطفالنا.
واسأليه، يجب أنْ تسأليه، “بالأمليّة”، متى يحين توقّف مآسينا، وكوارثنا، وهل سيمتدّ شقاؤنا.
وأفرشي له على الأرض بعد أن ينعس، لينام.
وعندما ينام، وأمّه تنام، ويوحنّا، وعندما ريما تنام، وهلي ينام، ضوّي له الأيقونة، وغنّي للقنديل ضوِّ يا ها القنديل ع بيوت كلّ الناس، واكتبي على ضوئه الشحيح، بالمختصر المفيد، كلّ ما امتنعتِ عن قوله وكتابته، طوال شقائكِ وعمركِ.
وكاشِفي المسيح، وافتحي له القلب، فهو وحده عارفٌ، ولا تكتمي، ولا تحجمي. وهو سيلتقط الإشارات، ويسجّل كلَّ ما مررتِ به، والفجائعَ، والأهوال، والمرارات، والخيبات، والتفاصيل.
وتستطيعين – لأنّه عيدكِ ولن يردّكِ خائبةً – أنْ لا تكتبي له عن الليل فهو عارفٌ أنّه ليل، ولا عن السعادة فنحن، ولا مفرّ، على هذه الأرض، على قول صموئيل بيكيت، وأنْ لا تسأليه عن الموت لأنّه موت.
لكنْ يمكنكِ أنْ تخبريه بما نحن فيه من استحالة العثور على حلولٍ لمشاكلنا، فهو سميعٌ مجيبٌ، ولا بدّ أنْ يقرأ ويسمع ويستجيب.
وخبّري الناصريّ – لا تستحي أنْ تخبّريه – أنّنا زعران أفّاقون ولا نستحقّ، لكنّ لبنان يستحقّ، وأنْ تُرفَع عنه شرورُ أهله وجماعاته، وشرورُ العالم.
وكأمّه في عرس قانا، لن يردّ طلبًا لأمّه، وأعجوبةً، ولا طلبًا لكِ سيردّ. وسيفعلها. ويستجيب.
ومضفورةٌ أنتِ بغابة أرز، يا فيروز، وبتسعين أرزةً وأرزة، وبالعافية.
ونهارك سعيد. وكلّ عيدٍ، وكلّ عامٍ، واليوم، وأنتِ بخير.