#اضراب و #اعتصام تجمع روابط القطاع العام : تشوّهات نقابية خطيرة

بقلم غسان صليبي

تراكمت مع الوقت تشوّهات عميقة على مستوى الممارسة النقابيّة، ولا سيّما بعد إحكام سيطرة الأحزاب السياسيّة على الحركة النقابيّة، نقابات وروابط. من هذه التشوهّات ما يمكن ملاحظته بسهولة في إضراب واعتصام تجمّع روابط القطاع العام أمام القصر الحكومي اليوم في 27/11/2025:

تجاهل إرادة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي، من خلال عدم التنسيق مع الرابطة التي تمثّلهم وادّعاء التكلّم باسمهم، من قبل رابطة الملاك في التعليم الاساسي، ومن قبل رابطة اساتذة الثانوي، الشريكتين في تحرك التجمع. مع العلم ان الاساتذة المتعاقدين يمثّلون 80% من أساتذة التعليم الأساسي الرسمي. أحد الأسباب الرئيسيّة لهذا التجاهل هو إستقلاليّة رابطة المتعاقدين عن الأحزاب السياسيّة المهيمنة على روابط التعليم الأخرى.

وإذا كان هذا السلوك يتّصف بداهةً بعدم ديمقراطيّته، فهو يعكس أيضًا تمييزًا سلبياً بحقّ العمالة الأكثر هشاشة في القطاع التعليمي، لصالح ما يمكن اعتبارهم، بالمقارنة، أصحاب امتيازات. وهذا موقف ينسحب على قطاعات نقابيّة أخرى، حيث يجري إهمال حقوق العمالة غير المنتظمة التي باتت تشكّل حوالي % 65 من اليد العاملة اللبنانيّة.

مطالب الروابط تركّز أساسًا على زيادة الرواتب والأجور بفعل تآكل قدرتها الشرائيّة نتيجة الانهيار المالي بعد 2019. ولما كان من المفترض ان يكون التجاوب مع هذه المطالب من خلال موازنة ٢٠٢٦ بحيث يجري تضمينها هذه الزيادات، كان من المتوقّع ان يتم الضغط على الحكومة بشكل عام وعلى وزارة الماليّة تحديدًا، قبل إقرار الموازنة حكوميًّا. لكن هذا لم يحصل، وقد جاء الضغط متأخّرًا إذ ان الموازنة تناقش اليوم في لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي.

وبدل أن يوَجَّه الإضراب والاعتصام باتّجاه المجلس النيابي اذ بهما يصوِّبان على الحكومة، أي حيث لم يعد مركز القرار الحالي الذي من شانه إنصاف العاملين في القطاع العام وفي المدارس الرسميّة. يصعب تفسير هذا الخطأ الإستراتيجي النقابي دون افتراض وجود أجندة سياسيّة تركّز على الحكومة وتحيّد المجلس النيابي، لدى روابط مستتبعة سياسيًّا.

المشكلة لا تتعلّق فقط بالجهة المطلوب الضغط عليها، بل بوسيلة الضغط. صحيح ان الإضراب يضغط على الإدارات العامة وعلى إدارات المدارس الرسميّة ومن خلالها على الحكومة، لكنّه إضراب فاقد لمعناه الحقيقي النضالي.
الإضراب هو توقّف عن العمل، بانتظار إعادة النظر بشروط العقد. أي انه قانونيًّا، يوقف سريان العقد، الذي يفترض القيام بالعمل مقابل قبض الراتب.

لذلك عندما يضرب الأجراء أو العمّال أو الأساتذة، لا يحق لهم قبض أجور الإضراب، إذ ان الأجر هو مقابل العمل، بحسب عقد العمل. وهذا ما يحصل في جميع الإضرابات في العالم حيث يعمد العمّال المضربون الى إنشاء “صندوق إضراب” يجمعون فيه المساعدات والتبرّعات لمساعدتهم على الإستمرار بالإضراب في فترة إنقطاع رواتبهم.

وفي هذا موقف نضالي مبدئي يدلّ على مدى التزام العمّال بحقوقهم، وفي الوقت نفسه يجبرهم على تقدير الظروف الإقتصاديّة لمؤسّستهم، فلا يلجأون الى إضرابات عشوائيّة تعرّض مداخيلهم كما الوضع المالي لمؤسّستهم للخطر، مما ينعكس عليهم سلبًًا في الحالتين.

ما يحصل في إضرابات القطاع العام والروابط عندنا، هو ان العاملين وأساتذة الملاك يسجّلون اسماءهم وكأنهم حضروا الى العمل وفي الوقت نفسه يضربون. ومع انتهاء الإضراب يقبضون رواتبهم كأن شيئًا لم يكن، على عكس الاساتذة المتعاقدين الذي يخسرون اجرهم اليومي اذا أضربوا.

يمكن وصف ذلك بــ “الغنج النضالي” او ب”الترف النقابي”، الذي لا تتيحه إلاّ علاقة من نوع خاص، تُسمّى “زبائنيّة”، بين العاملين والأحزاب المهيمنة على الإدارات العامة والمدارس الرسميّة، تجنح أحياناً الى موقف لا مبالٍ من الطرفين بعمل القطاع العام وبمصيره.

لا تنتقص هذه الملاحظات الثلاث من مشروعية مطالب الاساتذة والموظفين، لا بل تنتقد التفريط بها، من خلال ممارسات نقابية لم تؤدِّ في السابق الا الى ضياعها.

اخترنا لك
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com