#الروح التي تحمل جسدها على ظهرها وتمشي

"الى سيلفانا وتوفيق ونوّاف ومؤنس ورفاقهم"

“الى سيلفانا وتوفيق ونوّاف ومؤنس ورفاقهم”

بقلم غسان صليبي

بين إنتهاء زيارة البابا
والبدء بالمفاوضات مع اسرائيل،
مرّ “اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة”
في ٣ كانون الاول
مرور الكرام،
فمعظم الكرام يمرون دائماً بصمت.

“المعوّقون”
او “ذوي الاحتياجات الخاصة”
اي ١٥% من اللبنانيين،
يمر بعضهم امامنا على الطرقات:
المقعدون على كرسيهم المتحرك
والمكفوفون على هَديِ عَصاهم،
وفي معظم الاحيان
بمساعدة بشر مثلهم
شاء القدر
ان يمشوا على اقدامهم وأن يبصروا،
اما باقي “المعوّقين”
فيختفون داخل جدران المنازل او دور الرعاية
وخاصة ذي الإعاقة العقلية او الحسيّة.

ل”ذي الاحتياجات الخاصة” حقوق
تطالب بها منظماتهم،
بهدف دمجهم بشكل كامل في المجتمع
وضمان مساواتهم مع باقي المواطنين،
في العائلة والتعليم والعمل والشأن العام.

منظماتهم
تشارك بفعّالية لافتة
في تجمعات وتحركات
للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
لجميع المواطنين،
في حين ان المواطنين ومنظماتهم
مقصّرون بشكل عام
في المشاركة في تحركات خاصة بهم.

معروف انه عندما
تقصّر حاسة من الحواس أو تتعطّل
تقوى الحواس الإخرى
لأنها تضطّر للعب دور إضافي
والتعويض عن التقصير الحاصل،
نلاحظ ذلك عند المكفوفين مثلا
الذي يعرفونك بمجرد ان يسمعوا صوتك.

الشيء نفسه يحدث
عندما تتعطّل حركة القدمين
عند المقعَدين،
فتأخذ سواعدهم الحمل عنها
وتطوّع الكرسي المتحرك،
حتى ان بعض المقعدين
يمارسون لعبة كرة السلة
وهم “يركضون” على كرسيهم.

لكن ما لا نلاحظه كثيرا
عندما نركّز على بعض أعضاء الجسد،
ان الجسد بأكمله يصبح “مُعوّقا”،
فالأعضاء تؤثر أيضا سلبياً
بعضها ببعض،
حتى يمكن الكلام
عن “احتياجات عامة”
وليس فقط خاصة
تطال الجسد ككل.

وعندها لا يعود ينفع دائماً
تعاون أعضاء الجسد
في سد حاجات بعضها البعض،
بل يصبح الجسد بكليته
ما يحتاج الى عون،
فيستنجد بالروح
التي تلبي الدعوة بنخوة مبهرة
عند “المعوّقين”.

يناقش الفلاسفة
وعلماء النفس والجسد
ورجالات اللاهوت
العلاقة بين الروح والجسد،
يعاينون الجسد عن قرب
ويتكهّنون بشأن الروح.

ها هي الروح
يا أيها المتسائلون بشأنها،
تتجلّى بأبهى صورها الملموسة
في نظرات وجهود وأفعال
الذين خذلهم جسدهم
على غفلة من القدر،
تأمّلوها جيداً وعاينوها
فهي تتحرك أمامكم.

يعلّمنا علم النفس
ان الإنسان يشعر بالإمتنان تجاه الحياة
اذا استقبلته امه بحب عند الولادة،
من أين يأتي أصدقاؤنا المعوّقين
بهذا الإمتنان
وبهذا الحب الذي نختبره في سلوكياتهم،
رغم ان القدر
قد استقبلهم بهذه الإعاقة؟
طالما ان الجميع يتكلم اليوم
عن السلام وعن صانعيه،
فلنتذكر هذه المسيرة من حلبا الى صور
التي نظمّها سنة ١٩٨٧
“معوّقون” وناشطون لاعنفيون
ضد الحرب ومن أجل السلام في لبنان،
وذلك في عز الحرب وانتشار السواتر الترابية.
فلنتذكّر ان جزءا كبيراً
من “المعوّقين”
هم جرحى حرب،
وإن الحرب تسكن في اجسادهم وارواحهم،
وأن اي سلام لا يكتمل معناه
اذا لم تشمل عدالته
حقوق “المعوّقين”.

اخترنا لك