بقلم خلود وتار قاسم

كاتبة وناشطة سياسية
لطالما كانت الموسيقى لغة الروح قبل أن تكون نغمًا مسموعًا. فهي تمتلك القدرة على التسلّل إلى أعماق الإنسان، إلى مناطقه الأكثر هشاشة، وأكثرها قابلية للتأثر. ليست مجرد متعة سمعية، بل أداة تأثير نفسي مباشر يمكنها أن ترفع المزاج أو تخفضه، أن تبني توازنًا داخليًا أو تزرع اضطرابًا.
ولذلك ليس غريبًا أن نجد في الأديان نفسها إدراكًا مبكرًا لقوة الصوت والإيقاع.
ففي الكنائس، لا تُقرأ النصوص المقدّسة قراءة عادية؛ بل تُرتَّل بعمق ووقار ونغمات مدروسة تحرّك المشاعر وتدفع المؤمن إلى حالة روحانية تعزّز صلته بالخالق.
وفي القرآن الكريم، لا يكتمل أثر الآية إلا بتجويدها، إذ إنّ التجويد ليس ترفًا صوتيًا، بل أسلوب مقصود في إيصال المعنى عبر التأثير على السمع والقلب معًا. فالآية تُسمع فتُحدث صدى، وتتردّد في النفس فتترك أثرًا يتجاوز المعنى اللغوي إلى حالة وجدانية كاملة.
هذه الأمثلة الدينية العريقة تكشف لنا حقيقة أساسية:
الصوت هو مفتاح إلى اللاوعي… والموسيقى ليست تفصيلًا، بل قوّة تربوية ونفسية وسلوكية.
ومن هذا الباب بالذات، يجب أن نقرأ خطورة ما يُبثّ اليوم من بعض الأغاني التي تحرّض على العنف، أو تروّج للممنوع، أو تطبّع مع الانحراف وكأنّه خيار طبيعي للخروج من الأزمات.
فالشباب، في لحظات الضعف أو الضياع، يكونون أكثر عرضة لالتقاط الرسائل الموسيقية المموّهة، لأن أدمغتهم “بحسب علم النفس” تتفاعل مع الإيقاع أسرع ممّا تتفاعل مع المنطق.
وهكذا، تصبح الأغنية منبّهًا سلوكيًا يدفع إلى الفعل، ويعيد تشكيل القناعات، ويوجّه السلوك بطريقة لا يلتفت إليها الكثيرون.
من هنا، رسالتي إلى الحكومة اللبنانية العتيدة:
إذا أردتم معالجة الأزمات بطرق علمية حديثة، فعليكم أن تُعيروا الشقّ النفسي والاجتماعي للمواطنين أهمية قصوى.
ابدأوا من فهم تأثير الموسيقى، الإعلام، والمحتوى السمعي – البصري على المزاج العام والسلوك العام.
فالمجتمع لا يُبنى فقط بالقوانين، بل بفهم الإنسان الذي تُطبَّق عليه هذه القوانين.
وحماية الناس من الخطابات الهدّامة “سواء كانت سياسية أو فنية” هي جزء من صلب الأمن الاجتماعي.
إنّ التغيير الحقيقي يبدأ من العقل والوعي، ومن بناء مناعة ثقافية ونفسية تحمي أبناءنا من أي خطاب يجرّهم نحو الطريق الخطأ، تمامًا كما تحميهم الدولة بالقانون والمؤسسات.