#زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة

بقلم عقل العويط

قال المبعوث الأميركيّ إلى سوريا توم برّاك، خلال مشاركته في “منتدى الدوحة” (7/12/2025) إنّ واشنطن تبحث سبل حلّ المشكلات في لبنان وسوريا، و”يجب أنْ نجمع سوريا ولبنان معًا لأنّهما يمثّلان حضارةً رائعة”.

أكتبُ ما يأتي: تصريحكَ عن لبنان، مريبٌ وشرّير، يا سيّد توم، يا برّاك، وينمّ عن صفاقةٍ، وجهلٍ مريعٍ بالتاريخ والجغرافيا، واستخفافٍ بوقائع الناس والشعوب والبلدان. فليس من شأنكَ ولا من حقّكَ أنْ تقول بضمّ لبنان إلى سوريا، أيًّا يكن القعر المأسويّ الذي نقيم فيه، ونواصل حفره يومًا بعد يوم، وأيًّا تكن الأوضاع المهينة والمخزية التي تعانيها “دولة لبنان الكبير”.

لبنان ليس مقاطعةً سوريّة، أو إسرائيليّة، أو أميركيّة، أو إيرانيّة، على الرغم من كونه يكاد يكون في مهبّ الاندثار.

ولن يندثر.

صحيحٌ، والله، ما يتردّد في الكواليس عنكَ (ورئيسكَ) بأنّكَ قليل الحياء، بل خالٍ منه، وبأنّكَ – والقول لقائله – لَوقِحٌ، وقبيحُ العقل والروح. وكم الأجدى أنْ يقال لكَ هذا باسم “الرئاسات الثلاث”، ومجلسَي النوّاب والوزراء، والعصابة، معًا وفي آنٍ واحد. لكن هيهات!
يعنينا جدًّا أنْ لا تعود تُرينا وجهكَ. قبّح الله وجهكَ!

رئيسكَ (والقول لقائله)، عرّى الرئاسة في الولايات المتّحدة من مهابتها، وجعلها فعلًا تهريجيًّا مثيرًا للأسى، والحكمَ مسخرةً كونيّة، بسياسته الرعناء في ابتزاز الدول والحكومات والمسؤولين، وممارسة السلبطة والبلطجة، على طريقة قطّاع الطرق، متمرّغًا في الميغالومانيا، ومتبرّعًا في الهلوسات، وإرسال التهديدات، وعقد الصفقات، وبيع الدول والشعوب والحرّيّات وحقوق تقرير المصير في سوق النخاسة الأمميّة.

فليتفهّم القرّاء نبرة المقال المؤنِّبة، لأنّ التطاول حتّى على بلدٍ صغير كلبنان، مهيض الجناح، مكسور الخاطر، يتيم العالم، ويتيم نفسه، وعلى “مواطنيه”، إنّما يدلّ على انحطاطٍ غير مسبوق، انتهت إليه ممارسة الحكم والسلطة و… الديبلوماسيّة، في الدولة الكبرى التي يريد رئيسها أنْ تعود عظيمةً وعظمى.

ما أقوله أعلاه، إنّما يصدر من “مواطن” لا يزال مقتنعًا – رغم كلّ المثبِّطات والميئِّسات – بأنّه “مواطنٌ في دولة”، وإنْ تكن هذه الدولة مرميّةً على قارعة العبث والعدم.

هذا لأصل إلى مبتغى المقال: الآن، يُعاد النظر في خرائط المنطقة، فما الذي يجعل لبنان “دولةً”، بمواصفات الدولة الحديثة والمعاصرة، ومقوّماتها، وأسباب عيشها، ودوام هذا العيش، أخذًا في الاعتبار رسوخ الفساد في “الدولة العميقة”، ووجود ثماني عشرة فرقةً (غير) ناجية، و… عصابات ومافيات وقبائل؟ هل تتحقّق الدولة بإلغاء الطائفيّة (السياسيّة)؟ بإقامة مجلس للشيوخ؟ بتطبيق اتّفاق الطائف بحذافيره كافّة؟ أم أنّ المسألة تتعدّى هذا الطرح إلى ما هو أكثر وعيًا بالفارق الجوهريّ بين لبنان ودول المنطقةوالعالم، وبالحقيقة اللبنانيّة البالغة التعقيد؟ ما هو، تاليًا، هذا الوعي بـ”الحقيقة اللبنانيّة”؟ وكيف يتحقّق؟ ومَن يستطيع أنْ يتولّى المهمّة؟ الداخل اللبنانيّ؟ وكيف؟ الخارج؟ وكيف؟

من دواعي الضنى الوجوديّ، أنّي منصرفٌ بكياني جميعه، إلى مساءلة الأنا الكلّيّة، حول هذه القضيّة؛ مجتهدًا وباحثًا ومشغِّلًا البروق وكهرباء الروح، لعلّ مولاي العقل يعثر على “التدبير” الذي ينتشل لبنان وأهله من الدوّامة المهلكة.

عندما كتبتُ عن “تحييد” لبنان، فإنّما كنتُ أحذّر من “زمن الصفقات”، وأنْ ينبري أرعن ما للقول بـ”ضمّ” لبنان، “فرزه”، “بعثرته”، أو “إلغائه”، وسوى ذلك من أفكارٍ غبيّة، قوامها المتاجرة بالمصائر في أسواق النخاسة، والاستسهال المأسويّ الذي يوازي استسهال “محو” فلسطين من الوجود.

لبنان هو لبنان. زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة: هكذا تورَد الإبل، يا توم، يا ابن برّاك!

اخترنا لك