لماذا نتمسَّك بالقديم؟

عاد زوجي إلى لبنان بعد غياب أربع سنوات. جال في بعض الأحياء التي يعرفها جيدًا، وقال بحزنٍ واضح: «البلد تغيّرت معالمه».

تأمّلت كلامه… فهذه الأحياء نفسها لم تتغيّر كثيرًا. الحجر هو الحجر، الأزقّة هي الأزقّة، والذاكرة ما زالت معلّقة على الشرفات. وحدها بعض المحال أُقفلت بعد إفلاس أصحابها، وحلّت مكانها محال جديدة. ومع ذلك، كان الانزعاج حاضرًا.

فلماذا يزعجنا التغيير؟

هل لأننا نربط القديم بذواتنا، فنخشى أن يكون كل جديد إعلانًا غير معلن عن استبدالنا نحن أيضًا؟

أم لأننا نخاف أن يذوب ما يميّزنا، وأن نصبح نسخةً باهتة عن مجتمعات أخرى فقدت نكهتها الخاصة؟

أم لأن القديم يحمل ذاكرةً جماعية: أصواتًا، وجوهًا، قصصًا، وأيامًا كنا فيها أكثر أمانًا، أو على الأقل أكثر وضوحًا؟

التمسّك بالقديم ليس دومًا حبًّا في الجمود. أحيانًا هو خوفٌ من الفقد.

ففي بلدانٍ مستقرة، التغيير خيار.

أمّا في بلدانٍ مثل لبنان، فالتغيير غالبًا ما يأتي قسرًا، بلا عدالة، وبلا احترام لذاكرة الناس. لذلك نرتاب منه، وننظر إليه كتهديد لا كفرصة.

لكن، من جهتي، أرى الأمر بشكل مختلف.

أؤمن بأن التغيير والتجدّد علامة حياة، شرط ألّا يكون اقتلاعًا.

أن يكون امتدادًا لا قطيعة.

أن يُضيف إلى هويتنا بدل أن يمحوها.

لسنا مطالبين بأن نعيش في المتاحف، ولا أن نُجمِّد الزمن عند صورةٍ نحبّها.

كما لسنا مضطرين أن نُسلّم أنفسنا لكل ما هو حديث لمجرّد أنه حديث.

القيمة ليست في القديم ولا في الجديد بحد ذاتهما،بل في الروح التي نحملها ونحن ننتقل من زمن إلى زمن.

حين نفقد هذه الروح، لا ينفعنا حجرٌ قديم ولا واجهة حديثة.

وحين نحافظ عليها، يصبح التغيير تطوّرًا لا تهديدًا، وتجددًا لا خيانة للذاكرة.

ربما لا نتمسّك بالقديم لأنه الأفضل دائمًا، بل لأنه يشبهنا…

ونخشى، في عالمٍ سريع وقاسٍ، أن نفقد هذا الشبه.

اخترنا لك