دور العراق في المسار الاستراتيجي للمنطقة نحو السلام والاستقرار

بقلم د. جواد الهنداوي

في غضون أقل من شهر، انتقلَ مسار المنطقة من سّكة التوتر وقرع طبول الحرب الى سّكة السلام وبوادر الامن والاستقرار. والقفزة من سّكة الى أخرى، هي ذات بُعد استراتيجي وليس تكتيكيا، وقفزة للأمد البعيد.

في غضون اقل من شهر، انتقلت المنطقة من مشاهد زيارات لشخصيات رفيعة المستوى، عسكرية وأمنيّة اميريكية واسرائيلية، فسّرها البعض باستعدادات نحو مسار حرب، الى مشاهد زيارات رئاسية (زيارة الرئيس السوري الى دولة الامارات)، واخرى مرتقبة (دعوة المملكة للرئيس الايراني) تُبشّرُ بتوجهه المنطقة نحو السلام والتعاون.

انشغلَ الكبار (امريكا وروسيا والصين ) بهمومهم وبحروبهم العسكرية والاقتصادية، وانشغلت اسرائيل في مصائبها الداخلية، فأخذت دولنا العربية ودول المنطقة قسطاً من الراحة وفسحة في التحرك السياسي، بعيداً عن املاءات الكبار وسياساتهم الغليظة. وهذا هو احد اسباب الانفتاح ومسار التواصل والتعاون، اللذان نشهدهما يسودان على اجواء المشهد السياسي.

على دولنا وشعوبنا اغتنام هذه الفرصة واستثمار الوقت من اجل المضي قدماً في مسار السلام والتعاون.

نشهدُ توافقا في وجهات النظر بين دول المنطقة، اكثر من اي وقت مضى. توافق على ملفات، كانت في الامس، محطات ساخنة للخلاف والتمحّور. الحرب في اليمن تمّرُ في هدنة ونحو نهايتها، والمملكة العربية السعودية تتبنى موقفاً يُنصف القضية الفلسطينية وتعلنُ تمسكها مجدداً بالمبادرة العربية للسلام، ولا تطبيع دون الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما رشَحَ من التفاهمات التي تمّت بين المملكة وايران، ومَنْ ما هو غير مُعلن في البيان، كون موضوع البيان هو العلاقات الثنائية بين البلديّن. كذلك، لم يعُدْ خلافاً عربياً ولا أقليمياً على الملف السوري، أصبحَ الملف يجّمع العرب ويدعوهم للتشاور من اجل تمهيد العودة السوريّة المرتقبة الى مكانها و دورها العربي.

كيف ساهم العراق في المسار الاستراتيجي للمنطقة نحو السلام والاستقرار؟

لم يقتصر دور العراق على مجرد استضافته لبعض اللقاءات المشتركة بين المملكة وايران. دور العراق كان ولايزال ابعُد و اعمقُ من ذلك؛ الامن و الاستقرار اللذان يشهدهما العراق الآن انعكس ايجاباً على المنطقة؛ سياسة التوازن التي تبناها العراق وعدم التمحور، وهو يجاور ويحاور ايران والمملكة، ساهما ( واقصد التوازن وعدم التمحّور) بطمأنة دول جوار العراق والدول الخليجية. ادركت هذه الدول بأكذوبة طائفية الحكم والتوجّه في العراق، وان للعراق سيادته وقراره السياسي المستقل، لاسيما تجاه اشقّائهِ العرب. التفاهم بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وسيادة علاقات التعاون والوّد، عزّزت المكانة الاقليمية والدولية للعراق، ورسّخت أمن واستقرار العراق. التفاهمات العراقية الاردنية المصرية في مجال الطاقة، وخاصة في مجال النفط، ساهمت بشكل كبير بتعظيم الدور العربي والاقليمي والدولي للعراق. صحيح أن العراق قد يتحملّ نفقات وتكاليف تسويق النفط من العراق الى العالم عِبرَ الاردن، ولكن لذلك مردودات ايجابية سياسية واقتصادية كبيرة للعراق. يتفهّم العراق محدوديّة الامكانات المالية للأردن ولسوريا وللبنان.

نأملّ ان يستثمر العراق هذه الاجواء وهذا التعاون واليد الممدودة، من اجل ان يكون محوراً فاعلاً في ترسيخ مسار السلام والتعاون والاستقرار بين دول المنطقة.

اخترنا لك