السياسة الإيرانيّة في المنطقة بعد الاتّفاق مستمرّة

بقلم د. ميشال الشماعي

لا زالت تداعيات الاتّفاق السعودي – الإيراني تتفاعل جيواستراتيجيًّا في منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأدنى. ويرى بعضهم أنّ إيران قد نجحت برسائلها الإقليميّة بتجميد مفاعيل هذا الاتّفاق إقليميًّا؛ بعدما أطلقتها من جنوب لبنان من خلال العراضة العسكريّة التي قامت بها منظمة حزب الله؛ فضلاً عن الحشود العسكريّة للحرس الثوري على الحدود مع إقليم كردستان. ويرجّح هؤلاء استمرار الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران بتصدير ثورتها إلى دول الجوار، لا سيّما التي تعتبر فيها ميليشياتها الأنشط والأكثر تأثيرًا في تركيبة الدّول الموجودة فيها.

توتّر في الأداء

وفي هذا السياق يرى المستشار القانوني للاتحاد الاوروبي في الخليج، الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ جورج أبو صعب في حديث خاص لمنصة “جسور” أنّ ” التوتّر في المؤتمر الصحافي المشترك بين بن فرحان واللهيان كان واضحًا، حيث تناولا في بضعة دقائق، بعض العموميّات، من دون التطرّق إلى أيّ موضوع يتعلّق بتقدّم العلاقة بين بلديهما.” وهذا ما يؤشّر إلى جمود ديبلوماسيّ لكأنّ المملكة العربيّة والجمهوريّة الاسلاميّة اكتفتا فقط بتنظيم هذا الخلاف الذي كان بينهما على قاعدة تبريد المشاكل في المنطقة من دون حلّها وتبريد الجبهات الساخنة.

ويلحظ أبو صعب في حديثه لـ”جسور” التأخير الذي حدث فيما يتعلّق بتعيين السفراء بين البلدين ” فبحسب اتّفاق بكين كان من المفترَض أن تعاد العلاقات الديبلوماسيّة خلال شهرين، وها نحن قد دخلنا الشهر الرابع وحصل تبادل التعيينات بين البلدين ” وبحسب أبو صعب “هذا ما يؤشّر إلى وجود إشكاليّات سياسية بين البلدين وتعثّر في متابعة نتائج الاتّفاق السعودي- الايراني.” ويميّز أبو صعب بين ” مشروع الحرس الثوري الإيراني والمشروع المعلن من قبل الدّولة الإيرانيّة. ” فبالنسبة إليه هذان مشروعان متناقضان.

ازدواجيّة السياسة الإيرانيّة

ويؤكّد أبو صعب بحسب معلوماته الديبلوماسيّة ” أنّ هناك ازدواجيّة في السياسة الإيرانيّة واضحة. في حين أنّ الهيكليّة المؤسساتيّة للدولة الإيرانية من خلال وزير الخارجيّة عبد اللهيان ورئيس الجمهوريّة الإيرانيّة ابراهيم رئيسي يصوّران الجمهوريّة بأنّها رائدة الحوار والسلام في العالم وضابطة الاستقرار في المنطقة، يخوض الحرس الثوري سياسة معاكسة لذلك كلّه.” ويفنّد أهمّ تجليات هذه السياسة بموضوعين أساسيّين يطفوان على واجهة الأحداث اليوميّة في المنطقة كالآتي :

  • الحشود العسكريّة التي يرفدها الحرس الثوري على الحدود مع إقليم كردستان وتركيا. حيث أرسل مئات بطاريات المدافع والصواريخ لزرعها على الحدود الكرديّة.
  • استمرار الحرس الثوري بدعم الحوثيّين في اليمن عبر إرسال الأسلحة بشكل متواصل، ورعايته لتجارة المخدّرات التي يتولّاها الحوثيّون بشكل مباشر.

فمن هذه القراءة التي يقدّمها أبو صعب استنادًا إلى معلوماته الديبلوماسيّة يمكن للمتابع أن يستنتج أنّ الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران تلعب على الحبلين. ويؤكّد أبو صعب ذلك استنادًا إلى أنّ ” العقيدة الثوريّة لا تستطيع إلا الاستمرار بتصدير ثورتها لأنّها مبرّر وجود النظام الإيراني. ” وهو يرى أنّه “من الصعب جدًّا أن ينتهي هذا المشروع الإقليمي بين ليلة وضحاها.”

اتّفاق بكين هو اتّفاق هدنة فقط

ويخلص أبو صعب نتيجة لهذه المعطيات التي توصّل إليها عبر علاقاته الديبلوماسيّة أنّ ” الإتّفاق السعودي – الإيراني هو اتّفاق هدنة بين البلدين على قاعدة استئناف العلاقات الديبلوماسيّة فقط لقوننة الخلافات بينهما في الإقليم، وتبريد الجبهات الساخنة أكثر من كونه اتّفاقًا استراتيجيًّا أو اتّفاق صلح أو سلام مستدامٍ بين البلدين فستبقى ايران عدوة لدول المنطقة عقائديا وفكريا وسياسيا ”

ويؤكّد أبو صعب في حديثه لـ”جسور” أنّ “إيران مستمرّة بمشروعها الإقليمي بأوجهه المتعدّدة، ولكن بطرق مختلفة.” وهذا ما يعزّز برأيه الإزدواجيّة بسياستها. فالمشهد اليوم بنظر أبو صعب “هو أشبه بالهدنة المفتوحة على الاحتمالات كلّها، لا سيّما الانفجار العسكري.” ولا يستثني هذا الاحتمال في معظم مقالاته ومقابلاته.

وليثبت نظريّته هذه يلحظ أبو صعب ذلك “من خلال استمرار إيران بالمحافظة على ميليشياتها كلّها وأدوارها، وإن خفتت حينًا، أو أخفيت أحيانًا في اليمن والعراق ولبنان. لكن كلّ شيء ما زال تحت السيطرة الايرانيّة.” ويؤكّد أبو صعب ألا تغيير جذري في طبيعة التعاطي الإيراني مع أيٍّ من الملفات الساخنة في المنطقة. وهذا ما لمسه الخليجيّون بشكل عام والسعوديّون بوجه أدقّ. بحسب ما يعلّل في حديثه لـ”جسور”.

الخلاصة

ويختم حديثه أبو صعب مستنتجًا أنّ “هذا ما انعكس برودة سعوديّة في متابعة نتائج المسار المفاوضاتي.” ودليله في ذلك تأخّر التبادل الديبلوماسي بين البلدين الذي قارب الشهر الخامس حيث حصل التبادل منذ أسبوعين وكان مرشحا ان يتم في خلال شهرين من توقيع الاتفاق في بكين لعلّ ذلك كلّه يدفع إلى الاستنتاج أنّ ارتفاع منسوب إعادة تسخين الجبهات قد يرتفع في أيّ لحظة؛ لا سيّما مع استعادة الخطاب الأميركي زخما تصعيديا بموازاة محاولات التوصل مع الإيرانيين الى اتفاق مؤقت حول الملف النووي فهل ستستطيع إيران الاستمرار بالسياسة نفسها؟ أم ستشهد هذه السياسة تغييرًا نتيجة لضغط سياسيّ من خارج المنطقة أو لضربة عسكريّة محتملة؟

اخترنا لك