فارس الكلمة يترجّل

بقلم عماد موسى

في واحدة من الجلسات مع الشاعر موريس عواد، تحدثنا عن الشاعر كابي اسكندر حداد؛ مجنون ندى (ناديا صيدح) زوجته وحبيبته التي هجرته لأعوام وعادته في المستشفى وهو على فراش الموت. أخبرني «موريس» أن حداد، عندما أحس بدنو أجله، وهو في سنّ الأربعين، طلب منه الإطلاع على ما سيقوله فيه عواد بعد وفاته، وهذا ما طلبه أيضاً من أصدقائه الشعراء والكتّاب، إهتم بكلمات الرثاء وهو بعد في كامل وعيه ربما لخشيته أن يُسمِعه الآخرون ما لا يحب سماعه وهو مسجّى كتمثال شمع، كأن يستهلّ خطيب رثاءه بـ «فارس الشعر يترجّل» وهو ليس بفارس ولم يمتط صهوة حصان مجنّح بل عاش شاعراً بوهيمياً موجوعاً ومعدماً بعدما بدّد ثروته وأفنى عمره مشتاقاً إلى ظلّ ندى.

لم أهضم يوماً مثل هذه العناوين الكليشيهات : «فارس الكلمة يترجل» و»الوسط الأدبي يخسر مبدعاً» و»رحيل آخر عمالقة الزمن الجميل» وهذا العنوان مثل مفتاح على أديب وملحّن وممثل ومطرب ومقدّم برامج ومصمم أزياء ومهندس إضاءة ومخرج، «النجم فلان يفجع بوفاة والدته»، الفجيعة في صِحافة اليوم مرتبطة بالنجوم العوام ينتحبون أو يكتفون بالبكاء الصامت. «وأخيراً سكت قلبه» عنوان جذاب لطبيب قلب.»فقع موتة» بجرحة قلبية. «تفتقدك الريشة» تصحّ كعنوان في وداع عازف عود ورسام. فلنخرج من قتامة الفراق الأخير إلى «سهرة مميزة في أجواء رائعة» أو «سهرة رائعة في أجواء مميزة» و»إطلالة تخطف الأبصار» وممكن استبدال الأبصار بالأنظار، وعادة ما تكون الإطلالة المبهرة والجريئة القاطعة الأنفاس مرتبطة بالديكولتيه وذوات السيقان المرمرية على السجادة الحمراء.

لم يشدني يوماً عنوان بصيغة السؤال: كم سجل الدولار اليوم في السوق السوداء؟ ماذا سمع المبعوث القطري من قائد الجيش؟ ماذا ينتظر لبنان في الأيام المقبلة؟ ماذا اكتشفت توتال في البلوك الرقم 9؟ الإستحقاق إلى أين؟ هل يحضر هكتور حجّار جلسة مجلس الوزراء؟ بماذا علّقت حائزة موركس النجمة اللبنانية العربية الواصلة إلى العالمية ميريام فارس على منتقديها؟ هل يكون الدكتور ناجي حايك خليفة جبران باسيل على رأس التيّار؟ ماذا قال لودريان لبري في خلوتهما؟ بما خص السؤال الأخير أليس الأجدى أن يكون العنوان «لودريان لرئيس مجلس النواب: … واركبولكن شقلة».

أما العنوان الصاعق فهو «عمود يسقط من مملكة صاحبة الجلالة» تصوّروا إذا كان الفقيد كاتب عمود كأفضالي بسلامة قلبي!

اخترنا لك