شارل رزق : إلتقيت “بروس وبلا روس”… و لحود هو من أدار ظهره للقانون

"سبب استدعائي من باريس لأكون وزيراً: Je ne Sais pas"

بقلم نوال نصر

سألناه عن سرّه فأجاب : أكره «الجعدنات». سألناه عن أصدقائه فقال: رجال الـ IQ ( نسبة الذكاء ) لديهم عالية مثل: فؤاد شهاب وبشارة الخوري وتقي الدين الصلح وكمال جنبلاط ورشيد كرامي… وماذا عن الجيل اللاحق؟ ضحك. سألناه أسئلة محددة بالعربية فأجاب بالفرنسية مبتسماً: Merci Mon Dieu و Je ne sais pas… مؤكداً على روح النكتة لديه: Sense of humor. شارل رزق، ساكن العلالي اليوم (في الطبقة العاشرة من مبنى يجاور مستشفى رزق) حوّل- مثل عادته – جلسة حوارية إلى دردشة وإجابات فيها «قطع وصل» قال ما قال في طياتِها متمنياً بابتسامة حذف توصيفات أطلقها يميناً ويساراً.

هنا، في نفس هذا العقار الذي يضم اليوم مبنى شاهقاً من تسعة عشر طابقاً، ولد إبن الأشرفية شارل رزق قبل 88 عاماً (في العام 1935). تغيّر المبنى الملاصق لمستشفى رزق ويقول «لا قرابة بيننا وبين صاحب المستشفى هو كاثوليكي ونحن موارنة».

قبل أن نغوص في تفاصيل تجاربه تمهلنا وتوقّفنا عند المستجدات. فهل نحن على عتبة شرق أوسط جديد؟ يجيب: «منذ كنت بعمر العاشرة وأنا أسمعهم يتكلمون عن شرق أوسط جديد. مللتُ من هذه التسميات: لبنان الجديد والشرق الجديد» ويستطرد: آخر كتاب نشرته حمل عنوان «اللحظة القومية العربية». مرّت تلك اللحظة وانتهت. كانت حلماً من خيال فهوى. تناقضاتها الذاتية قتلتها وليست إسرائيل من فعل ذلك. إسرائيل أتت نتيجة. ومشكلتنا اليوم أننا خرجنا من إطارنا العربي ودخلنا في إطار عجمي إيراني فارسي لا علاقة لنا به، لا نفهم لغته ولا لسانه ولا ثقافته وغير قادرين على التكيّف معه بأي شكل من الأشكال».

التربية دينية

يغوص شارل رزق في سردِ أسباب الضعف العربي فنعيده الى ذاته لنغوص معه في صعوده وهبوطه هو. يقول: «أهم ما قمتُ به في حياتي أنني كتبتُ كتباً. الوزارات لا شيء. كتبت في باريس كتابين بالفرنسية. وكتبت كتابين بالعربية. وكل كتبي عن الشرق الأوسط وأحدهما إسمه «بين الفوضى اللبنانية والتفكك السوري».

ينظر من شبّاكه فيرى مدرسة الناصرة ويقول: «هنا درست، كانت للبنات وللصبيان، ثم دخلت الى جامعة القديس يوسف حيث درست الحقوق، ثم درست العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في باريس. وأحببت الفلسفة فنلت إجازة في الآداب من جامعة ليون». يتابع: «كانت تربيتي دينية صارمة متجذرة. كنا نصلي صباحاً وظهراً ومساءً. علمني والدي ووالدتي الصلاة كثيراً. كنت اخدم في القداس اللاتيني والماروني والكاثوليكي. وما زلتُ حتى اليوم اتقن الطقوس الثلاثة. درست اللغة اللاتينية وعشقتها وهي التي جذبتني الى الفرنسية التي أتكلمها بطلاقة».

خمسة أولاد كانوا – ثلاث بنات وصبيان- اثنان قبله واثنان بعده. وجميعهم خضعوا للتربية الدينية. فماذا خلقت فيهم وفيه ؟ يجيب: «جعلتني متديناً أكثر وأكره الطائفية. وهذا ما قرّبني من فؤاد شهاب. لم أر إنساناً يمقت الطائفية مثله وتقياً مثله. في البيت كانوا يراقبون نتائجي الدراسية. كنت امارس الرياضة كثيراً. وكان لزاماً عليّ أن أكون الأوّل في الدراسة وفي الرياضة أيضاً. تفوقت في لعبة التزلج – السكي – وفي الكاراتيه وفي التنس أيضا وما زلت أمارس التنس حتى اليوم. تفوقت في دراسة الحقوق ونلت الدكتوراه بدرجة عالية جداً. وأحببت دائما الفلسفة والآداب».

«أتذكر أن أستاذي العظيم كان موريس دو فرجيه (أستاذ القانون الدولي) وقال لي : يجب ان تصبح محامياً. ووجد لي مركزاً في أهم مكتب محاماة في فرنسا. كان يجب أن أنتسب إليه لكنني يوم أعددت أطروحتي أرسلت نسخة منها الى الرئيس فؤاد شهاب. كان قد انتخب للتوّ».

المدير

لماذا أرسلت أطروحتك إليه؟ هل كنت تعرفه شخصياً؟ يجيب: «نعم. بعد مرور عشرة أيام وصلني مكتوب الى باريس كتبه شهاب بقلم «الستيلو» من عشرة أسطر قال لي فيه: برافو عليك. كأنك فهمتني لأنني سأمشي في النهج الذي دونته. وأدعوك للعودة الى لبنان وحين تعود إتصل بي. بعد فترة أتى تعييني مديراً للدراسات في معهد الدروس في مجلس الخدمة المدنية من دون أن يكون لدي خبر بذلك. كنت صغيراً. وقامت القيامة في لبنان تحت عنوان لماذا تأتون بشخص من باريس مديراً».

أليس غريباً أن تعيّن مديراً؟ يجيب: «دائما كانت علاقتي مع المدراء واتصالي إستمرّ دائماً بالرئيس». ماذا كانت طبيعة العلاقة مع فؤاد شهاب؟ يجيب: «كانت صداقة شخصية. كان فؤاد شهاب، بالنسبة إلي، أباً روحياً. تأثرت بنزاهته وبرصانته وبهدوئه. كان الرجل الوحيد الذي يملك مزايا كثيرة بينها النزاهة والإبتعاد عن الطائفية لأنه مؤمن. المؤمن يمقت الطائفية. تأثرت به وبالشيخ بشارة الخوري وبتقي الدين الصلح، الذي كان «جنتلمان» ومثقفاً، وبرشيد كرامي وكمال جنبلاط. بنيت علاقة معهم وتأثرت بهم. كما تأثرت بجاك شيراك. عرفته جيداً. كان رجل دولة. أما رفيق الحريري فلم الحقه. بالكاد تعرفت اليه. إلتقيته مرتين. وفي المرة الثانية قال لي: لماذا لم أرك من زمان. أجبته: ظروف. أنا لست لجوجاً. من يريد أن يتكلم معي هاتفي موجود».

لم تعمل في المحاماة؟ يجيب: «لا تركت لأعود الى لبنان بعد كتاب فؤاد شهاب. إشتغلت دائماً ضمن الإطار الشهابي. كنت أزور دائماً فؤاد شهاب ورشيد كرامي وكمال جنبلاط وتقي الدين الصلح. كنت أرى الاربعة. أثّر بي الصلح كثيراً جداً. كان مثالياً ويمثّل بنظري الوجه الجميل للوحدة الوطنية. أما جنبلاط فجذبني بفكره وثقافته وانفتاحه على الخارج. لم أر إنساناً يتكلم الفرنسية مثل كمال جنبلاط. أما رشيد كرامي فأصيل وأعجبني انغماسه بالواقع العربي واللبناني».

الإعلام

وبالعودة إلى الجانب الوظيفي عيّن مديراً عاماً لوزارة الإعلام ( في عهد الرئيس شارل حلو) «حين كنت مديراً كنت أتمتع بسلطة أقوى من سلطتي يوم أصبحت وزيراً للإعلام. عملت وزيراً للسياحة والإعلام ومن ثم وزيراً للعدل».

بداية لماذا تم اختيارك للإعلام ؟ يجيب : «أحببت دائما الإعلام الذي هو بالنسبة لي الكلام مع الناس وإقناع الناس والاقتناع من الناس. وأتذكر أنه في الحرب انقسم لبنان وعاصمته الى اثنين: بيروت الشرقية وبيروت الغربية. التلفزيون الرسمي أصبح إثنين. وأتى الرئيس الياس سركيس الذي ينتمي الى الطاقم الشهابي الذي أنتمي إليه. أراد القيام بمصالحة وطنية فقلت له: كيف ذلك والشاشتان تشتمان بعضهما البعض إعلامياً كل ليلة بشكل أقوى من المدافع. أجابني : وماذا يمكنني أن أفعل وأنا لا أملك قوة عسكرية؟ أجبته: درست الواقع، الشاشتان منهارتان وتطالبان بمساعدة من الدولة. فهل تعطي مساعدة الى من يحاربونك؟ لذا يفترض اشتراط تقديم المساعدة بإيقاف السجال. وأنا لن اعطي مالاً بل سأشتري أسهماً وأدمج الشاشتين بتلفزيون واحد يكون تلفزيون الوحدة الوطنية. دمجت التلفزيونين لإطفاء الجبهة السخيفة والشتائم وأقذر العبارات المستخدمة».

لاحظنا أنك لم تسم الياس سركيس بين الأسماء التي تأثرت بها؟ بلى بلى الآن أسميه.

كيف أثّر بك الياس سركيس؟ «في أوّل زيارة قمت فيها لفؤاد شهاب بعد عودتي من دراستي من باريس وتعييني مديراً، قلت له: أنا لا أملك الخبرة ووصلت للتوّ من باريس. طلب الحاجب وقال له: جيب سركيس. أتذكر ذلك حرفياً. أتى الياس سركيس وكان مدير مكتب فؤاد شهاب. كان شاباً بعمر 35 عاماً وشعره أسود. وقال لي شهاب بالفرنسية: C’est ton Parrain (هذا عرابك). من يومها ولدت صداقة بيننا. كان يحبني وأنا أحبه».

نلاحظ ان ولادة صداقاتك مع الكبار سهلة؟ يجيب ضاحكاً: Merci Mon Dieu.

بالصدفة تولد تلك الصداقات؟ «لا، بحكم عملي. أنا أكره «الجعدنة» وتضييع الوقت». لكنك لست جدياً كثيراً؟ يجيب: «بلى، لا يمنع الجمع بين المزاح والجدية. أنا أملك Sense of humor كما يقول الإنكليز. روح النكتة فيها عمق وليست فقط للضحك. فيها فلسفة».

حصل إغتيال الشهيد رفيق الحريري في شباط عام 2005… اين كنت؟ يجيب: «في باريس». وقفز بالزمن إلى الوراء.» حين أتى أمين الجميل رئيساً للجمهورية كنت رئيساً للتلفزيون. وأنا أقرأ المكتوب من عنوانه. عرفت أن البلد يتجه الى مشاكل. أسست شركة معلوماتية كل موظفيها من اللبنانيين أما الزبائن فأوروبيون. كنت آتي بطلبات العمل الى لبنان وينجزها لبنانيون. وما يكلف في فرنسا عشرة دولارات يكلف هنا خمسة. حققتُ أرباحاً كثيرة. وفاجأني الخبر أنني عينت وزيراً. رجعتُ الى لبنان وزيراً للسياحة والإعلام في حكومة نجيب (نجيب ميقاتي)».

لماذا تمّ إستدعاؤك لتكون أنت وزيراً؟ يجيب بالفرنسية: Je ne sais pas.

هل يعقل ذلك؟ من سمّاك؟ نزل إسمك بالبراشوت؟ يقول: «إميل لحود. إميل ليس صديقي. شقيقه نصري كان صديقي. ووالدي صديق والده ووالدته صديقة والدي. أحببت نصري. كان شاباً عظيماً رحمه الله. كان أخي. أما إميل فكان لديه إتجاه آخر».

لم نفهم ماذا قصد بالإتجاه الآخر؟ هل كان جدياً أكثر منكما؟ يجيب ممازحا كمن يريد إنهاء الكلام عن إميل لحود: «كانت له ثقافة في الفلسفة والبحوث العلمية» يضيف: «بدك تحكي عن إميل أو عني؟ عرفته كما عرفت اشخاصاً كثيرين».

من أبلغه في حينه أنهم سموه وزيراً؟ يجيب: «من الصحف. تفاجأت. وترددت لأن لدي عملي في الخارج». ويستطرد: «إذا سنحت الظروف لشخص ان يعمل في فرنسا فهل يرضيه ان يصبح وزيرا؟».

لكن السلطة فيها جاذبية؟ أليس كذلك؟ يجيب: «الشهرة لا شيء».

أتى الى لبنان وزيراً ويقول: إلتقيت ناس بروس وناس بلا روس. يئست من أول يوم. أنجزت مشروعاً واحداً فقط. وطالبت بإلغاء وزارة الإعلام. عرضت المشروع على الحكومة وكان نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة. وافقوا على إلغاء الوزارة وبيع التلفزيون. ذهبت الى الرئيس الحريري فقال لي: لا أستطيع أن أشتريه لأسباب طائفية. كان نبيه بري يريده لأنه مسيطر عليه. تيقنت أن العمل في هذا الإتجاه عبثي. أخذت فرصة خمسة عشر يوماً وغادرت مع زوجتي الى سويسرا للتزلج. وبعد شهر طارت الحكومة».

طمأنة «حزب الله»

تشكلت حكومة فؤاد السنيورة. وعاد شارل رزق وزيراً للعدل (بين 2005 و2008). فهل كان إسم شارل رزق مطلوباً في تلك اللحظة من تاريخ لبنان ليكون وزيراً للعدل؟ يجيب بسؤال: «هل تعرفين لماذا؟ لأنني، بدون تبجح، تعلمت من ريمون إده، الذي أعدّ قانوناً ووافقت عليه الدولة وفيه: أن القاتل يقتل» ويستطرد: «لم يكن لدي أي إرتباط مسبق إلا مع نفسي. لذلك، يوم كنت وزيراً للعدل أقاموا الدنيا عليّ. وأنا تعلمت في الحقوق أن القاتل يجب أن يلاحق».

هل هذا هو السبب في اختياره؟ يجيب مضيفاً سبباً آخر : «ربما لأنني آخذ عملي بشكلٍ جدي. وأذكر أنه في 12-12- 2005 يوم اغتيل جبران تويني عقد مجلس الوزراء وترأسه إميل لحود في بعبدا. كان «حزب الله» موجوداً. يومها اقترح فؤاد السنيورة رسمياً إنشاء المحكمة الدولية في جريمة رفيق الحريري. احتج «حزب الله». أفهم ذلك وعلاقتي كانت جيدة مع الحزب. قلت لهم : فلنفصل الموضوع الى قسمين، فلنتفق على المبدأ ومن ثم على التنفيذ. تمنيت ذلك على وزراء «حزب الله» فوافقوا وشعرت حينها أن ذلك مكسب كبير. قلت للسنيورة : دولة الرئيس وافقوا على المبدأ وهذه خطوة للمصالحة، فقامت قيامته وقال: ابداً. رفض تجزئة الموضوع. انسحب وزراء «حزب الله». برأيي كان ممكناً وقتها الكلام مع «حزب الله» وطمأنته. في كل حال، أول بند أنجزته كان أن المحكمة لا تحاكم إلا الأشخاص. وأن المحكمة يمكن أن تحاكم غيابياً. أعطيتهم تطمينات عدة. أنا من صنعت نظام المحكمة الدولية مع الأمانة العامة في الأمم المتحدة. كنت، كلما كتبنا سطراً واحداً أعرضه على جميع الأطراف وبينهم السيد حسن (نصرالله)».

طمأنة حزب الله كانت أولوية. وتشكلت المحكمة الدولية وانتهت الى اتهام أشخاص. إستفاد «حزب الله» من أن المحكمة تحاكم أشخاصاً لا أحزاباً أو دولاً… يقاطعنا رزق بالقول: «فليستأنفوا. إذا كان الحريري (سعد) غير مسرور بالحكم فليستأنف. هل عليّ أن أقول له أنا ماذا عليه أن يفعل؟ جماعة الحريري لا يسرّهم كثيراً سؤالي لهم: لماذا لم تستأنفوا؟».

يكرر ويعيد شارل رزق «اني لست مع الحريري ولا مع أحد». لكن، هناك من قال وأكد يومها أنه كان يأخذ الأوامر من بيت الوسط؟ يجيب: «لا لا، لا أحد قال ذلك. قالوا انني ادرت ظهري الى إميل لحود. أنا لم أفعل ذلك بل هو من أدار ظهره للقانون. «فليصطفل». إذا قال لي صديقي أقفز من الشباك أفعل؟ لا، هذا ليس معناه أنني خنته».

هل هناك إتصال اليوم بينه وبين إميل لحود؟ يجيب: لا، لا أحب «الجعدنات». لكن، لماذا لم يرِد لحود يومها المحكمة الدولية؟ «إسأليه». ألم يسأله هو؟ «جربت إقناعه لكنه لم يقتنع».

ماذا حقّق شارل رزق في سنوات وزارة العدل الثلاث غير المحكمة الدولية؟ «أنجزنا التشكيلات القضائية. صحيح أن المجلس الأعلى للقضاء هو من قام بها لكنني أنا وقعتها حسب القانون. أنا كوزير لا أعرف كل القضاة وليست مهمتي أن أعرف 2000 قاض. لا أضيّع وقتي بذلك» ويستطرد: «ذات يوم قبضتُ على قاض بجرم «البرطيل». أمسكت به في مكتبي واقفلت الباب وقلت له: أنت الآن لست قاضياً وأنا لست وزيراً. أنا أحمل حزاماً أسود بالكاراتيه فانتبه. تصبب العرق غزيراً منه. إعترف بما فعل وبكى».

هل تُشكّل الفترة الوزارية مفصلاً في حياته؟ لا لا، وحدها المحطة مع الرئيس فؤاد شهاب أثرّت بي والبقية «جعدنات».

لا يفهم من يستمع الى شارل رزق من هو صديقه ومن هو عدوه. يقول «لست في حاجة إلى الكلام مع أحد. إذا احتجت لأتكلم أمسك ورقة وقلم وأكتب». نسأله عن تويتر الذي كان ناشطاً عليه فيقول: «كنت وتوقفت». ماذا عن شجاره مع سليم جريصاتي عبر تويتر؟ يجيب: «سليم صديقي ولا اتشاجر أبداً معه. هناك علاقة بين العائلتين». نذكره بما قاله عنه جريصاتي: «بئس زمن يرأس فيه مؤسسة فؤاد شهاب وزير القضاء الرديف شارل رزق الذي عمل مع اعوان له على فرض مرجعية أجنبية على قضاء وطنهم». وما عاد وردّ به هو عليه: «لا عتب على من ارتضى تأجير قلمه وصوته لسواه». يستمع رزق إلينا ويقول: لم أعد أتذكر ذلك.

يوم احتجزه بشير

فلنترك الخلافات جانباً. ولنعد الى الأحداث التي مرّ بها: هل صحيح ان بشير قام باختطافه ذات يوم؟ أجاب: «كان والد بشير (الشيخ بيار) يزور والدي يومياً. وأراد بشير الحصول على ترخيص للمؤسسة اللبنانية للإرسال. فأخذني من جنب بيتي واحتجزني فترة قصيرة. قلت له في حينها: أقبض على نواب البرلمان فهم من يمنحون الترخيص فأجابني: سأفعلها. أتى الشيخ بيار وقال لي: بشير لا يعرف كم احب والدك. كان حاضراً يومها كريم بقرادوني».

صداقاته السياسية الجديدة نادرة. هو رأى ميشال عون منذ أربعة أشهر تقريباً ويقول: كنت ازوره في باريس. وعلى الصعيد الشخصي لا خلاف بيننا. هو «سمباتيك» وطيب القلب ويقرأ لكن على الصعيد السياسي مش ماشي. أما سمير جعجع فلم ألتق به من زمان. حسن نصرالله كنت أضعه في الشاردة والواردة أيام المحكمة الدولية وهو يملك روح النكتة». ويستطرد: «قالوا إنني آخذ أوامر من سعد الحريري وهذا غير صحيح. أنا اعطي أوامر. وسعد إجتمعت به مرتين أو ثلاثاً». نقاطعه بسؤال: شارل رزق لا أحد يمكن أن يصدق أن مجيئك وزيراً للعدل حينها أتى صدفة؟ يجيب : «أوكي. أنا أقول ما لدي وهم فليفعلوا ما يشاؤون».

لا يرضى شارل رزق أبداً أن يقال عنه ما ليس فيه ويقول: «من يشتمني أرفع عليه دعوى». وما عددها؟ «رفعت ثلاث دعاوى على ثلاثة أشخاص شتموني. والمحكمة أجبرت أحدهم على سداد خمسين الف دولار تعويضاً عن ذلك. في حين سدد ثان نحو ثلاثين ألفاً. فريش. جمعت المبلغين واشتريت سيارة رانج روفر «بتاخد العقل». ويضيف ممازحا»: «أنتظر اليوم من يشتمني لأنني أريد سيارة جديدة».

يقضي نهاراته اليوم في القراءة والكتابة والرياضة «ألعب تنس بشكل ممتاز. ساعة كاملة يومياً. ومن يراني يقول عني إبن 14 عاماً». ويستطرد: «أفكر أن اكتب اليوم بالفرنسية عن سبب وصول لبنان الى الحضيض».

بين يديه اليوم كتاب: the accidental super power. إنه كتاب يتكلم عن سبب حلول أميركا دولة عظمى في العالم. موقعها الجغرافي هو السبب. موسيقياً، يستمع الى الموسيقى الكلاسيكية وبيتهوفن وموزار. زوجته هي نايلة شقير «إنها أرثوذكسية واستمرت على مذهبها وهكذا نعيّد مرتين ونأكل في عيد الفصح البيض والمعمول مرتين». له ابنتان: جوانا وكارين وكلتاهما في لبنان. كارين متزوجة ولديها بنت واحدة اسمها Jan. أما جوانا فرسامة. وجدران البيت تزدان برسوماتها. وبروح الدعابة التي يملكها يتحدث عن اسم جوانا : «قلت للكاهن يوم المعمودية اسم ابنتي جوانا فقال لي : حنة. قلت له : لا لا تسجل حنة بل جوانا. ويوم التقيت المفتي الشيخ حسن خالد رحمه الله وكانت علاقتي به ممتازة سألني : ما اسم ابنتك الكبرى ؟ أجبته : جوانا. قال لي : «وعند جهينة الخبر اليقين». ومنذ ذاك الحين راح يناديني: ابو جهينة».

يرفض شارل رزق أي كلام سيئ سيق في حقه ويقول : هناك من حكى عن استفادة حصلت عليها لمصلحتي الشخصية. أنا لم املك إلا شركة واحدة انشأتها في باريس، في آخر ما عمّر ربنا، وحين أصبحت وزيراً بعتها. وصك البيع موجود. بعتها برقمٍ مرموق».

أخطأ وتعلّم

يعترف رزق أنه اخطأ مرات «فالله وحده لا يُخطئ. أنا نرفوز قليلا. ومن يُخطئ في حقي أؤنبه. لكن، مع العمر، تعلمت الصبر أكثر. أصبحت أكثر هدوءاً، يشتمونني فأضحك. تعلمت من الرئيس صائب سلام ذلك». يضيف: «آلة الحكم سعة الصدر. هذا ما قاله الإمام علي. وهو من قال أيضا: رأس الحماقة معاداة الناس. تأثرت بالإمام علي وأحببت أحمد شوقي وابو العلاء المعري. إنه شاعر اليأس وأكبر شاعر في تاريخ الشعر أهم من فكتور هوغو. أبو العلاء من قال: إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال».

شارل رزق يرى في ثورة 17 تشرين غباء «فهي قالت كلن يعني كلن. هذا شعار سخيف. هناك مارونيان ضربا الرقم القياسي في السرقة واحد في الكهرباء وثان في المصرف المركزي لكن لا يمكن معاقبتهما لأنه يجب معاقبة من سرقوا ما مضى عليه ثلاثون عاماً. هناك مبلغ 44 مليار خصصت للكهرباء معروفة في جيوب من إنتهت وذلك من دون تحقيق. لكن، شعار كلن يعني كلن لا يسمح إلا بمحاكمة كلن وإلا لا أحد».

هل شارل رزق طامح الى رئاسة الجمهورية كماروني؟ يجيب «طالب الولاية لا يولى». وينهي: «أحب لعب التنس مع روبو الذكاء الإصطناعي لأن الذكاء الطبيعي نادر. ومن يدري قد نصل الى وقت يضعون فيه على رأس الدولة روبو».

اخترنا لك