الفرنسيون يقرأون “سمير جعجع مستقبل لبنان”

بقلم طوني عطية

فيما تزخر رفوف مكاتبنا بمؤلّفات عدّة حول قادة وزعماء طبعوا بصماتهم في حقبات ومفاصل حياتنا السياسية، وانتهاج بعض المؤلفات السِيَر الذاتية باعتماد منهجية السّرد، سلكت الصحافية والكاتبة اللبنانية – الفرنسية مايا خضرا اتجاهاً معاكساً للنمطية البيوغرافية. فالشخصية غير التقليدية المُستهدَفة في كتابها «Samir geagea: L’avenir du Liban»، تفرض مقاربة ونقاشاً مختلفين. تأخذنا مع وعبر «سمير جعجع» إلى ملفات وقضايا لبنان والمنطقة المتشعّبة والمعقّدة، حيث تتأرجح الهويات الثقافية والحضارية بين هشاشة التآلف ودوّامة الإحتراب.

رغم أنّ الكتاب يقتحم فكر رئيس حزب «القوّات اللبنانية» ويتناول في أحد جوانبه مراحل سمير جعجع السياسية والعسكرية والإجتماعية، تُشدّد الكاتبة على أنّ مؤلّفها «غير حزبيّ». يتألّف من 98 صفحة، وهو نتاج وثمرة جلسات ومقابلات مفصّلة استغرقت ساعات طويلة بين خضرا وجعجع، تناولت أفكاره الفلسفية والإيمانية، كما سلّطت الضوء على رؤيته السياسية لمستقبل لبنان والنظام السياسي والمعضلات الإقليمية ومنها القضية الفلسطينية، مروراً بثورة أو انتفاضة 17 تشرين، وصولاً إلى زلزلة مرفأ بيروت في تفجير 4 آب وما رافقها من تداعيات متواصلة حتى اليوم.

يتكوّن كتاب «سمير جعجع مستقبل لبنان» من ستة فصول، ألا وهي: «رجل الإيمان والعقل»، «الخروج من السجن والنجاة من محاولة اغتيال»، «النظام الطائفي في لبنان»، «رؤية سمير جعجع للصراعات في الشرق الأوسط»، «الحلول للبنان مستقرّ»، والفصل الأخير «بين الفلسفة والسياسة: وجهات نظر متقاطعة لفرانسوا كزافييه بيلامي وسمير جعجع يتحدثان عن التحديات المقبلة».

تكمن أهمية هذا الكتاب (المنشور في اللغة الفرنسية، على أنّ يُترجم لاحقاً إلى العربية) أنّه يقدّم للقارئ الأوروبي/ الفرنسي/ الفرنكوفوني «مادة ديناميكية» تساعده في معرفة دهاليز الحياة السياسية اللبنانية وتركيبة نظامه وتعددية مجتمعه، بعيداً عن التصوّرات السطحية والمشوّهة لدى الرأي العام الغربي. وتكشف خضرا أنّ الكتاب لاقى رواجاً كبيراً في الأوساط السياسية والنخبوية الأوروبية، وأنها بصدد التحضير للقاءات في سويسرا وبلجيكا. وتجدر الإشارة إلى أنّ ناشر الكتاب هو Pierre Téqui Éditeur، وهي دار نشر كاثوليكية عريقة، تأسست عام 1868 في فرنسا، متخصّصة في نشر خطب البابوات (أسبوعيّاً) والوثائق البابوية ومنشورات الفاتيكان، منذ البابا بيوس التاسع. ما يضفي قيمة معنوية وقيمية لهذا الإنتاج الفكري والسياسي غير التقليدي. كما يتضمّن فصلاً شيّقاً وعميقاً، عبر حوارٍ جمع بين جعجع والنائب في البرلمان الأوروبي الفيلسوف فرنسوا-غزاڤييه بيلّامي لدى زيارته الأولى إلى لبنان، إذ أجرى الرجلان مناقشات صريحة، تمحورت حول عالمنا اليوم والمخاطر التي تهدّده، وكذلك معالمه الأنثروبولوجية والحضارية.

ومن الأبعاد الأساسية للكتاب، أنّه يهتمّ بفلسفة جعجع حول الوجود، إذ يرى أنّ التاريخ يتّجه نحو الأفضل، ويبلغ ذروته عند نقطة «أوميغا» أو الله. إذا تحرّك العالم نحو الكمال، لا يمكنه إلا أن يتطور ولا يتراجع…». ويذهب بعيداً قائلاً «إنّ الأرض تندمج مع السماء». تستند رؤيته الفاضلة في مرتكزاتها الفكرية والفلسفية وفق جعجع إلى المراجع أو المدارس التاريخية القديمة والتي تدحض أي شكل من أشكال العدمية أو الانحطاط المعاصرة التي يروّج لها البعض. كما يلتقي جعجع وفرنسوا بيلامي في نظرتهما إلى مسارات ومنهجيات التغيير، مع الفيلسوف والسياسي البريطاني بنيامين دزرائيلي (1804 – 1881): «أصلح ما هو ضروري، إحتفظ بما يستحق». ما يتعارض مع «مطرقة» اليسار العالمي الداعية إلى تهديم كلّ شيء.

يُشار إلى أنّ الكتاب بات في متناول الجميع، بعد أن أصبح في مكتبات لبنان منذ تشرين الثاني 2023 . أمّا إطلاقه الرسمي فيتمّ غداً، في فندق Sofitel Beyrouth – Le Gabriel في الأشرفية – بيروت. يتخلّل الحفل نقاش بين عضو تكتّل «الجمهورية القويّة» النائب بيار أبو عاصي، الصحافي الفرنكوفوني ميشال توما والكاتبة خضرا، تليه مداخلة من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وأخرى من النائب الأوروبي فرنسوا بيلامي.

اخترنا لك