السياديّون مُؤَدلَجون وطنيّاً

بقلم الدكتور جورج شبلي

لمّا تمادى أصحاب الخطاب الكرتونيّ في قذف اجتماع السياديّين بأبشع النُّعوت، وباتّهامات موسميّة باهتة، كاتّهام المُنتدين بالعمالة، والخيانة، والإعداد للفتنة، وذلك، قبل الإطلاع على خلاصة بيانهم، ما يؤكّد على قلّة عقل الديماغوجيّين التَبَعِيّين، وبُعدهم عن الإتّزان، كان لا بدّ من توثيق توجّه السياديّين صوب الكرامة الحُرّة.

لمّا كانت المؤامرة على الوطن مستمرّة، لنَهشه، وانتدابه، والهيمنة على قراره، وتضييع كيانه، وتهشيم هويّته، وسَحق أهله، كان من الطّبيعيّ أن يستمرّ النّضال يَقِظاً، مواجِهاً، مُتماسكاً، حَيّاً في الوجدان والأَيدي، ليقهر القهر، حتى لا يخسر النَّسر معركته مع الثّعبان.

ولمّا كانت الدّيانة الوطنيّة حالة ترتقي بالحياة، تُلبِس الوطن ما يجب من أصالة في الولاء، وغِنًى في الإنتماء، كان من الطّبيعيّ أن تجد لها حُماة قادرين على القول والفعل، كلَّما نَبضَ فيهم قلب، وانفتحت عين، وكلَّما انتصب في وجه الوطن خطر، فما كان الخوف، يوماً، سلطاناً يحكم الشّجعان.

ولمّا جعل الطّارئون الوطن سجناً للقضاء على الحريّة البهيّة، بغريزيّة مسعورة، وتزمّت كَسيح، مستورَد من عصور الإنحطاط، والجهل التّاريخيّ، وما قَبل، كان من الطبيعي أن تَنهض هِمَم مُنقِذَة، تطلُّعاتُها حضاريّة تعكس الفحوى الزّمانيّ الرّاقي، ملتزمةً بثقافة الحياة، هذه التي لها أُصول راسخة في النّفوس، والتّراث المضيء.

ونسأل: هل ينتبه اللّبنانيّون، كلّ اللّبنانيّين، لهذه الحقائق؟

عندما أُشير إلى السيادِيّين، لا أَعبر إلى المناخ المثاليّ، مُكتَفِياً بمجرّد الكلام على الكلام، بطابع مَدحيّ، وبتعاطف نَشِط، ولو بأدب فخم جميل. لكنّني أُقارِب حالة السياديّين، بالوقوف على رموز هذه الحالة، وأَبعاد وجودها، بموضوعيّة تُسقِط الإنفعال، والخِطابيّة، والتّعابير الشّعريّة المُستَقدَمة من الحقول المعجميّة، وذلك، احتراماً للحقيقة.

في ذات السياديّين روح ثوريّة لها حافز هو رسالة وأَغراض. وهم يتغنّون بهذا الحافز المُوجِّه، في إطار نظرة تفتح آفاقاً لتنشيط النّضال الذي يرتقي إلى مقام الإنصهار بالوطن، انصهاراً مرصوصاً يخصّ قناعتهم، تحديداً، وقناعة البعض مِمَّن نهجَ نهجهم. وليس هناك غُلُوّ، أو تطرّف في اعتبار السياديّين مُدافِعين رئيسيّين، إِنْ لم نَقُلْ، وحيدين، عن قِيَم المواطنة، والتشبّث بالأرض، في وجه المُستَقوين العنصريّين السّاعين إلى تدمير الوطن، حجراً وبشراً وكياناً.

لم يُسقط السياديّون المنطق الجهاديّ بالرّغم من أَقاويل كثيرة تشير إلى تَفَكُّك هذا الوضع التَّكتيّ في أدائهم. لكنّهم، وإذ يأبون الإنغلاقيّة، ويُقيمون وزناً لمقولة «لكلّ مقام مقال»، هم مؤمنون بالإنفتاح على الأفكار، والرُّؤى، والطُّروح الوطنيّة التي تأخذ بالإعتبار مصير البلاد والعباد، والمحافظة على الدولة، وعلى الكيان سيّداً كريماً، ولا يتزلَّفون للّذين يُغضِبون الوطن، والنّاس، بالإرهاب، والإِكراه، والظّلم، والتسلّط، والهيمنة… فهذا، بالذّات، ما يجعل الشّعب يُنازِع في صقيع ما يُسَمّى وطناً.

يَتمتّع السياديّون بشخصيّة لها جوهر وطنيّ صلب، قوامُه الإيمان بلبنان على قَدر ما يريده لبنان. لذلك، لم يصدر عن هذه الشخصيّة سوى ما يمتّ للروحيّة الأخلاقيّة الوطنيّة السّامية، وللفكرة الوطنيّة الصافية النقيّة، من هنا، قَلَّما نقع على قَمحٍ وطنيٍّ لا يكون معظَمُه من بيدر السياديّين.

لم يَنفِ السياديّون، على اختلاف انتماءاتهم الدّينيّة أنّ ارتباطاً يجمعهم بطوائفهم، ومرجعيّاتهم المذهبيّة، فعلاقاتهم بهذه المرجعيّات واضحة، لكنّهم، وفي كلّ مواقفهم، والتزاماً بوعيهم لكلّ أَبعاد جوهر دياناتهم، لم يُشَوِّهوا مواقفهم بالتزمّت، ولم يَتّخذوا الإنتماء الدينيّ وسيلة لِكَسب مواقع ومراكز، ولتنفيذ الأغراض السياسيّة الضيّقة، وذلك، إيماناً منهم بأنّ الغاية من الدّين هي إيجاد مستقرّ للنّفس في الله، لذلك، فمَنْ يَعي جوهر الدّيانة، يأبى أن يستغلَّها، ويجعلها وسيلة رخيصة لتحقيق أهدافه، كما يفعل البعض، عندنا.

من هنا، بنى السياديّون نضالهم الوطنيّ، والعقائديّ، على قوانين أساسُها المصلحة العامة، قبل مصلحة المعتقَد، والأَنا، بحيث تتغلَّب مصلحة المجتمعِ على مصلحة الدّين، والطّائفة، والأُصوليّات، والأنانيّة، والشخصانيّة. وهذا الموقف ليس تأويلاً للعقيدة الدينيّة، بقَدر ما هو استيعاب لذخائرها، وجوهرها الذي يتبنّى روحيّة الحريّة، والإنفتاح، وصلاح المجموع، وفَرض الخير، والنُبل في التّعاطي، والعيش الآمِن، بعيداً عن رنين العصبيّات، والإنغلاقيّة، وطُرُق الفِتَن…

السياديّون هم أُطروحة وطنيّة ناضجة، مُبَرَّأَة عن الزَّيَف، والأهواء، لها علاقة كيانيّة بالوطن، وبالوجدان الشَّعبيّ، فلبنان هو شغلُهم الشّاغل، نضالاً، ودفاعاً علنيّاً، وبصوت عالٍ، وتلاحُماً قاد إلى التّضحية، وقوافل الشّهداء، من هنا، استطاع السياديّون، بسلوكهم، أن يؤكّدوا أنّ هذا التّلاحم بالوطن، يشكّل، وحده، عامل بقاء، وأنّ النّضال هو التَدَبُّر الصّحيح للحفاظ على لبنان سيّداً، حرّاً، نهائيّاً، ثابتاً في الزّمن.

وبعد، مهما قيل، إِعلَموا يَقيناً أنّ السياديّين هم على قَيد الحياة…

اخترنا لك