في نقد الحرب الأهلية

بقلم فارس اشتي

نشرت دار النهار كتاب «في نقد الحرب الاهلية» للزميل محمد علي مقلد المسكون بالنقد، نقد الذات قبل نقد الآخر، والمهموم ببناء الدولة الحديثة، والكتاب مجموعة نصوص سبق أن نشرها في «نداء الوطن» وهي، حسب قول محمد علي، في منزلة بين منزلتي المقال والبحث العلمي الأكاديمي، وقد أعاد ترتيبها ضمن ثمانية فصول: المحاربون، التقسيميون، الحركة القومية، اليسار، الاسلام السياسي، الممانعة، القضية اللبنانية ما بعد غزة، محاربون بغير سلاح ناري، ومع تقديم للنقيب رشيد درباس.

وطال النقد القوى والهيئات التي شاركت في الأعمال العنفية (1975- 1990) ومن إستُنبت بعدها تبعاً لمعيار الدولة الحديثة الذي لم يلتزم به أي منها، قولاً وفعلاً، وأضيف إليها المستجد الغزاوي وقواه، وكان النقد جريئاً لم يوفر نفسه والحزب الذي كان قيادياً فيه.

وما يمكن أنْ يؤخذ على الكتاب بالحدود التي رسمها الكاتب لها الآتي:

1. ملاحظات منهجية على مصطلحات استخدمها الكاتب، وهي الحرب الأهلية، ثورة 17 تشرين، الدولة الديمقراطية.

فلا أرى دقة في استخدام مصطلح الحرب الاهلية للأعمال العنفية التي حصلت ما بين 1975 و1990 في لبنان، وذلك من ناحيتين: ناحية قصرها على «الأهل» أي القوى اللبنانية، وهي لم تقتصر عليهم، وقد لمح محمد لهذا، أحيانا، فالقوى اللبنانية منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم لم تباشر العنف المعمم من دون دعم خارجي، وناحية قصر الحرب على تلك الفترة، فالحرب ما زالت مستمرة، ليس بالمعنى الفوكوي للسياسة، وفيها شيء منه، بل لاستمراها الكامن بالمعنى الكلاسيكي.

كما لا أرى دقة في توصيف حراك 17 تشرين بثورة، فالثورة لها شروطها، ومحمد أخبر الناس بها، وأشار إليها عرضاً في النص، لا بل أضيف، وهذا ما اغفله الزميل في نقدها، إذ مع مرور فترة قصيرة على الحراك تبينت البنى الأهلية فيه، ولم يلحظ الدولة في استهدافه التي هي معيار النقد.

كما لا أرى اضافة اوصاف للدولة، وقد استخدمها الكاتب مرات عديدة من دون اضافة، فالدولة تعرف بذاتها اما الديمقراطية ففي النظام ومرحلة لاحقة على بناء الدولة.

2. ملاحظات على النقد نفسه، وهو نقد جريء، كما ذكرت، في حدود قدرة فرد مهموم بقضايا الوطن وتمدينه عبر دولة حديثة، لكن نقد الحرب في لبنان نقداً موضوعياً وشاملاً يحتاج لقدرات تتجاوز الفرد، وهذا يتطلب مشاركة الفاعلين فيها، آنذاك والآن، وورش عمل متنوعة الاختصاصات، هنا بالتأكيد يكون للزميل محمد دور فيها. وقد يكون ما سأطرحه بعض عناوين تصلح للنقاش، وهي:

أ‌. العوامل الداخلية المؤدية لاندلاع الأعمال العنفية في لبنان في العام 1975.

ب‌. العوامل الخارجية الدافعة لاندلاعها.

ج. نقاط التقاطع بين الداخل والخارج فيها.

د. ظروف وعوامل استمرارها.

ه. مآلاتها.

3. سؤال في الدولة الذي أتشارك مع الزميل محمد علي في القول بعدم ايلاء كل القوى السياسية، يساراً ويمنياً، قومياً ولبنانياً، الاهتمام بها، وفي القول إنّها المدخل لتجاوز التخبط القائم في لبنان، والسؤال هل يمكن تحقيق هذا الهدف؟ وبأي حدود؟ وبكلام سياسي- برنامجي آخر، هل يصلح أن يكون هدفاً يناضل لأجله أم يبقى غاية مشتهاة؟

ومع ميلي وطموحي، وقد أضيف عملي بحدود العمر والطاقة، لأن يكون بناء الدولة هدفاً يُسعى إليه، فإنّي أرى تعذر ذلك بحده المعقول لمعطيات مستجدة، لبنانياً وعربياً وعالمياً، وإنْ كان لا يحول دون المحاولة ولو في حدودها الدنيا، ولهذه المحاولة متطلبات.

أما المعطيات المستجدة الحائلة فهي:

أ‌. تنامي التحلل في مؤسسات الدول بفعل الأعمال العنفية ما بين 1975 و1990 والذي لم يلجم اتفاق الطائف الذي أوقفها دون هذا التحلل كما لم يلجم الخروج العسكري السوري ذاك في الـ2005، ومظاهر ذلك كثيرة وتفصيلها في غير هذه العجالة.

ب‌. التحول في النظام العالمي، إقتصاداً وسياسة واجتماعاً واعلاماً، في مرحلة تسعينات القرن العشرين حيث سيطرت الشركات المتعددة الجنسيات ونظام الاتصالات الحديثة، وما يعني بناء الدولة تقلص نموذج الدولة الحديثة في الدول الرأسمالية بفعل هذا التحول، وهذا التقلص ظاهر في المركز ومفاعيله في العالم أكثر وضوحاً، ومنها بلداننا العربية وافريقيا.

ج. التحول في «النظام» الإقليمي العربي الذي لم يعد نظاماً عربياً، بل شرق اوسطياً، والفاعلون فيه: اسرائيل، تركيا، ايران بغطاء أو رعاية أميركية ومناوشات صينية – روسية، سياسياً، وبفعالية الشركات المتعددة الجنسيات، اقتصادياً واعلامياً واجتماعياً وسياسياً. ويتبدى ذلك، على المستوى الدولتي بتفكك سوريا واليمن وليبيا والسودان، وما بقي منها صامداً (مصر والسعودية) في موقع الدفاع عن نموذجه الدولتي.

4. متطلبات محاولة الشروع في استعادة بناء الدولة عديدة، ويمكن القول على ضوء المعطيات الصادة لها هي:

أ‌. العودة الى تطبيق القوانين والأنظمة والهيئات التي أرسيت في مرحلة ما قبل العام 1975 والتي كانت التعديلات الدستورية تبعاً لاتفاق الطائف آخرها.

ب‌. الشروع في أقامة اطر على المستويات كافة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وفي كل المواقع من الضيعة والحي إلى القضاء والمحافظة وصولاً الى البلد والمغتربات تحت هدف معلن العودة الى تطبيق القانون. وقد تكون هذه الأطر لقاءات مؤقتة أو تحالفات جبهوية وما بينهما.

ج. إقامة مرصد وطني يعنى بصياغة تفصيلية للخروقات في تطبيق القوانين والأنظمة والثغرات غير المطبقة منها كما يعنى بمتابعة ما أنجز من أطر تحالفية وممارستها على ضوء أحكام القانون.

5. قد توصف هذه المتطلبات بالتواضع وقد يكون التوصيف صحيحاً، لكنه الممكن المتاح في ظل شبه اجماع وطني، شعبي وسياسي، على رفع شعار الدولة. ومطب الاجماع وعدم تحوله الى ممارسة متعددة المواقع وابرزها:

أ‌. توجّس اليساريين، أفراداً ومنظمات، بالمعنى الواسع لا الحصري لليسار، من التنازل عن الغاية القصوى لما ينشدون: دولة كاملة الأركان والغاء الطائفية من جهة ومن التعاون مع قوى شاركت في الحكم وطائفية وما يستتبع ذلك من سلبيات في ممارستها، من جهة ثانية.

ب‌. توجس القوى الطائفية من تطلبات اليسار القصوى ومن ما تخفي برأيها من ارتباطات.

ج. استبطان القائلين بالدولة من القوى الفاعلة جانباً واحداً من خروقات قوانين الدولة، كاستهداف خرق السيادة، وعينهم على سلاح «حزب الله»، والتغاضي عن خرق الدستور في المحاصصة الطائفية، لا بل هم خارقوه. وكاستهداف البعض الآخر الفساد في المؤسسات من دون الخرق الأكبر للسيادة .

اخترنا لك