سامي “يغامر” بالكتائب … انتصارٌ أم انتحار؟ الياس قطار

حتى لو اعتبرنا ما أقدم عليه “الفتى المغوار” سامي الجميل في جلسة انتخاب الرئيس “مرجلة سياسية ”، ستكون التعليقات التي نالها ولمّا يزل حتى اليوم بمثابة “راجمة حصى” تدفع الى البحث عن توصيف جديدٍ للحالة “الكتائبية” التي عكسها الرئيس الشاب والتي يليق بها بأريحيةٍ تامة توصيف “ الانتحار السياسي” على ما يقارب كثيرون.

أحدٌ لا يفهم حقيقة ما ينشده “العريس الكتائبي” من كلّ هذه “البلبلة” التي يُحدِثها والتي يروق له أن يسمّيها “معارضة”، حتى بعض الكتائبيين المتعقّلين باتوا يتساءلون في قرارات أنفسهم: الى أين يقودنا الرجل؟ أهو الصراط المستقيم أم الدرب الضالّ؟

ثلاثُ مقاربات لشابٍ واحد
كثيرون من الغافين على أحلام كتائبيّة خطّها الشهيد بشير الجميل والمستيقظين اليوم على ما لا يشبهها ينظرون الى ما يفعله الجميل الابن على رأس الحزب العريق على أنه “مغامرة” له كشابٍ واعد وللحزب برمّته الذي تعب الأجداد والآباء في بنائه وتغذيته، فيما يلطّف آخرون الحال معتبرين أن ما يحصل لا ينمّ عن عدم نضج سياسي بقدر ما يمكن توصيفه “بالبحث عن الحيثيّة” لكن بطرائق اعتباطية. تلك الاعتباطية يستسيغها كثيرون من أبناء الحزب على ما يبدو ويسوّغون لرئيسهم المحبوب القريب من الشباب والناس كلّ خطوةٍ وكلّ موقفٍ باعتباره “الصوت الوحيد الصارخ اليوم في ضمائر الطبقة الفاسدة”. ثلاثُ مقارباتٍ تجعل من سامي مرةً جديدة محطّ أنظار ولكن من دون ضمان العواقب التي قد تكون عقيمة هذه المرّة حدّ تغريده وحيدًا في سرب المعارضة من دون أن يتمكّن من إحداث أي خرقٍ في جدار الصيغة التوافقية التي يعوّل عليها اللبنانيون لإعادة بثّ الروح في جسد الوطن المريض. ويذهب بعضهم أبعد من ذلك في سياق استشرافه لمفاعيل معارضة الكتائب بالإلماح الى أن الجميّل الابن يغامر ببيتٍ عريقٍ قد توصَد أبوابه في معقله المتني إذا ما قرر سامي رفع السقف في وجه الثنائية المسيحية القادرة على اكتساح دوائر ومناطق متشعّبة في الانتخابات المقبلة أيًا يكن القانون، ولعلّ تلك الفرضية/الهاجس ليست بعيدة عن فكر الوالد الحريص على عدم تخريب الابن الأصغر كلّ الطبخة الكتائبية في لحظات طيش لا بل “ولدنة” على ما يصفها مراقبون.

هل يركب القطار؟
ربما يدرك سامي الجميل تمامًا ماذا يفعل وربما لا يدرك ماذا يفعل، أيًا يكن يبدو أن الشاب يُغفِل أثمان البقاء خارج القطار الحكومي مقابل حجز الجميع مقاعدهم فيه. وتعوّل مصادر نيابية مواكبة للاستشارات الملزمة التي انطلقت أمس على “وعي كتائبي بضرورة السير في الحكومة وتسهيل تأليفها والانضواء تحت رايتها كي لا تؤول حصّة بكفيا الى القوات والتيار، خصوصًا أن غياب حزب “الله والوطن والعائلة” قد يمرّ مرور الكرام ولن يكون مؤثرًا حدّ التشكيك في ميثاقية حكومة العهد الجديد التي ستضمّ ممثلَي المسيحيين الأولَين بالإضافة الى شخصيات مسيحية من خارج حلقتهما. وعليه، تميل المعلومات المسرّبة من الصيفي الى إيثار خيار السير في ركب الحكومة أخذًا في الاعتبار أن الكتلة التي زارت بعبدا أمس في إطار الاستشارات وسمّت الحريري للتأليف تبدي انفتاحًا وتعاونًا كبيرين تجاه فخامة العماد، وتذهب الى رمي ما حصل في المجلس وقبله وراء ظهرها. كلامٌ لا يرقى الى ما يشير اليه مقرّبون من الجميل الابن وعارفو طباعه عن كثب وحقّ، ومفادُه أنه سيكون معارضًا ولو وحيدًا تمامًا كما فعل في المجلس النيابي بمقاطعة جلساته لسبب مختلف عن مقاطعة التيار الوطني وحزب الله، وتمامًا كما فعل في الحكومة بسحب وزرائه أو بالأحرى وزيره. الصورة لم تتّضح بعد في بكفيا، والقرار لا يبدو محسومًا لا سيما أن معلوماتٍ تتحدّث عن ميل الرئيس الجميل (الأب) الى التعاون مع رئيسَي العهد الجديد بعيدًا من رغبة وليده الضمنية في الاعتراض على كلّ شيء.

لا يشكّل عقدة
شيّقة ومحقّة تبدو العناوين الكبيرة التي يطرحها سامي الجميل في إطلالاته الصاخبة والتي بنى عليها أسس رئاسته للحزب الكادري. شيّقة ومحقّة وتحاكي طموح شبابٍ مندفعٍ الى إجهاض كلّ مظاهر الفساد في المؤسسات. شيّقة ومحقّة مع جرعات زائدة تجعل منها “يوتوبية” بما يصعّب على صاحبها التراجع عنها، وليس إقفال مكبّ برج حمود سوى خير مثال وإعادة فتحه مثال أكثر صخبًا. اليوم، لا يشكّل سامي الجميل عقدة كبيرة. يبدو مشاغبًا ولكن ليس الى حدّ التسبّب بـ”وجعة رأس” لرئيس المجلس الذي سخر منه ما إن طالب بإرساء آلية التصويت السرّي للنواب من خلال وضع ستارة في المجلس، فقطع بري عليه الطريق كمن “يستولد” الآخر بدعوته الى تقديم اقتراح لتعديل النظام الداخلي. هي سقطةٌ ظنّ الجميل أنها قد تندرج في إطار الجوّ النكاتي “المسخرجي” الذي ساد جلسة انتخاب الرئيس، بيد أن التعليقات لم تنظر اليها على هذه الشاكلة فلم ترحمه. تعليقاتٌ انسحبت على اعتراضه “الدستوري” بعدم المضي في فرز الأصوات مع وجود 128 مغلفًا بدل 127 وهو عدد النواب الحاضرين، وهو ما بدا لكثيرين موقفًا دستوريًا شجاعًا، ولكن ليس لوقتٍ طويل. فقارئو السياسة لا يفهمون في نبرة الصوت المميزة، ولا في معالم الوجه الغاضبة أثناء مقاطعة رئيس المجلس، ولا في الاعتراض على كلّ تفصيل في جلسةٍ محسومة نتائجها. هؤلاء يقرؤون في “اللعبة” التي قرر الجميل أن يلعبها من خلال الاستعاضة عن الورقة البيضاء بعبارة: “ثورة الأرز مستمرة من أجل لبنان”. ربّما فات الجميل أن أرباب “ثورة الأرز” أنفسهم ما عادوا يذكرونها وأنهم هم أنفسهم “استحوا” من ذكرها بعد إجهاضها، وأن زمن تلك الاصطفافات التي فرزتها ثورة الأرز والتظاهرة المضادة لها في ساحة رياض الصلح خنقها الحريري نهائيًا منذ زمن طويل، وبشكل مباشر وملموس لدى إعلانه ترشيح النائب سليمان فرنجية. لم يُرِد الجميل أن “يقيم الموتى من القبور” ولا أراد “إحداث ضجيج” على ما يؤكد رئيس مجلس الإعلام في حزب الكتائب جورج يزبك لـ”صدى البلد”. “فما حصل في مجلس النواب ليس موجّهًا ضدّ انتخاب العماد عون بقدر ما أمّن حمايةً لانتخابه تلافيًا لأي طعنٍ مستقبلي وهو موقفٌ يركن الى النصّ الدستوري وليس معارضة من أجل المعارضة بل تأنيبٌ لكل من سوّلت له نفسه العبث في استحقاق بهذه الأهمية والاستهزاء بالسلطة التشريعية وبالشعب الذي هو مصدرُها”.

الكتائب: منفتحون!
الى أين يتّجه الجميل بالحزب اليوم، وهل سيشارك الكتائبيون في حكومة العهد الجديد؟ يجيب يزبك: “المؤشرات إيجابية جدًا ويمكن الركون للارتقاء بها الى تسمية حزب الكتائب الرئيس سعد الحريري اليوم (أمس) في بعبدا، ودعم العهد الرئاسي الجديد. ولو كان هناك قرارٌ مسبق بتفخيخ العهد الجديد ورفع جدار اسمنتي في وجهه، لما سمّى المكتب السياسي الرئيس سعد الحريري ولكان نَهَجَ النهج الأول بعدم تسميته أحدًا. اليوم قرار المشاركة لم يُحسَم بعد ولكن يمكن القول إنه بات هناك ربط نزاع إيجابي مع العهد الجديد والحكومة التي ستنبثق منه”. ولمن يُلمِح الى أن سامي الجميل يقود حزب الكتائب الى انتحارٍ سياسي ماذا تقولون؟ يتلقف يزبك: “أعتقد أن سامي الجميل يقود الحزب الى انتصار سياسي لا الى انتحارٍ سياسي، وهذا الانتصار لن يكون في غضون ساعات إذ إن من يعمل على انتصار وطن ودولة من خلال مسار حزبي لا بدّ من أن يتمتّع بنفس طويل وأن يكون قادرًا على تحمّل الصعاب وعدم الاستسلام عند أوّل انكسار”.

لن يُسعفه الوقت…
هو سامي الواعدُ بنفضةٍ نوعية في حزبه منذ إطلالته الأولى رئيسًا واستبعاده وجوهًا فاعلة ليس يتيمها الوزير سجعان قزي، يدرسُ اليوم كلّ الخيارات المتاحة أمامه حكوميًا. يضع كلّ ما لديه ومكتب الحزب السياسي في ميزان الربح والخسارة، ليقرّر بناءً عليه مشاركته من عدمها، على أن يشكّل تعويله على الوقت الضائع فرصةً قد لا تُسعِفه كثيرًا لا سيّما متى صدُق القائلون إن التأليف سيكون ميسّرًا وعصيًا على التسويف

اخترنا لك