غادة المر : يا وجعي…

بقلم غادة المُرّ

سآتيكَ عِندَ الغَسَقِ،
لا عُيُونُ الحُرَّاسِ تَرَانَا
ولا ثَرثَرَاتُ البَشَرِ.

يا صَوتَ النَّايِ والشَّجَنِ
في صَبَاحَاتِي الحَزِينَةِ
سَرقتُ لونَ عَينَيكَ،
خَرطَشتُ باللَّونِ نَجماتٍ تَسهَرُ
فَوقَ الرُّمُوشِ السَّودَاءِ
إنتَظَرتُ، وقفت ُ..
ثُمَّ جَلَستُ أمامَ مِرآتِي،
سَرَّحتُ شَعرِيَ الطَّويلَ
غَرقتُ بِعِطرٍ مَمزُوجٍ بِشَوقٍ،
بِلَهفَةٍ تَقطَعُ الأِنفَاسَ
نامَتْ عَقَارِبُ السَّاعَةِ،
ضَاعَ الوَقتُ بين الإنتِظَارِ والمَلَلِ
وَعَتَمَةِ اللَّيلِ

لَيتَنِي لم أسجَنْ فِي إطَارِ مِرآتِي
صُورةً مِنَ الزُّجَاجِ والزِّئبَقِ

أنا هُنا ..
أنا هُناك ..
لَستُ أدري إِ نْ إنَا سَجينَِة ُ مِرآتِي
ليتَ الصَّورة التِي أمَامِي،
لا تُحَدِّقُ بِي،
لا تَستَفِزُّنِي ، ولا تُثِيرُ جُنُونِي
لستُ أنا أحَدِّقُ وأحَدِّقُ
وَأرَانِي مُختَلِفَةً، قَبِيحَةً!

حَزِينَةٌ أنا؟؟
لَستُ أدري،
كيفَ لِي أكرَهُ كُلَّ ما أرَى؟
لَيتَنِي كنتُ قَبِيحَةَ الوَجهِ وَالمَلامِحِ
عَسَاهُم يَعبُرُونَ مِرآتِي .. مَلامِحِي
وَجهي وَجَسَدِي
ليرونِي فَقَط أنا
روحي.. كلماتِي
حُزنِيَ.. صَمتِي.. فَرَحِي
وَفِي عُيُونِي تَرتَسِم ُ أحلامِي
كِفَاحِي وإِنكِسَاراتُ عُمرِي

لَيتَنِي لم أُولَدْ
في شَرقِهِمِ اللَّعِينِ وَالخَبِيثِ
لَيتَنِي لا زِلتُ طفلةً تلهُو بألعابِها
تَنَامُ على حَكَايَا الأمِيرَاتِ ،
في مدن ِالجِنِّ والأسَاطيرِ ،
لحنًا شَجِيًّا لأغنيةِ حُبٍّ
يُرَدِّدُها جَمِيعُ النَّاسِ وَيفرَحُون

لَيتَنِي قَطَرَاتُ ماءٍ تَسقُطُ على الأرضِ
تُرَوِّي الحَدَائِقَ والزَّرعَ والزَّهرَ
وَطيفٌ يُسَافرُ عبرَ الوَقتِ
يَحكي الحَكاياتِ الحالمةَ
لأطفالٍ وَكبار

ليتني وَردةٌ
أكونُ حمراءَ مُخمَليّةً
تَعيشُ في حَدائِقِ مَن أهوَى
ُتَفُوح ُ عِطرًا وَدَلاً

لَيتَنِي فَرَاشَةٌ مُلوَّنةٌ تطيرُ
وتطيرُ في المَدَى،
تَتَجَاوَزُ حُدُودَ العُمرِ
وَجَعَ الفِرَاقِ والمَوتِ

لَيتَنِي كنتُ رجلا ً
في ذَا الشَّرقِ المَقيتِ
كنتُ حقَّقتُ أحلامِي وَطمُوحاتِي
دُونَ أغلالٍ.. دُونَ قُيودٍ
ذَبَحَتْ حُلمِي وعُمرِي

ليتني لا زِلتُ صَغيرَةً
ألجأُ إلى حُضنِ أمِّي
ليتنِي يا أبي كنتُ رجلاً في ذَا الشَّرقِ
أنتَ قُلتَ لي دَومًا
إِنَّ الضَّعفَ لا يَلِيقُ بالنِّسَاءِ.

اخترنا لك