في هذا المبنى عاش الشاعر أنسي الحاج

بقلم عقل العويط

في هذا المبنى عاش الشاعر الفلاني، من سنة كذا إلى سنة كذا.

بلاطةٌ كهذه، تُحفَرعليها هذه الجملة، لتُعلَّق على واجهة مبنى، في زاروبٍ ما، في شارعٍ ما، في مدينةٍ ما، أو قرية، قد لا تكلّف جهدًا كبيرًا، ولا عناءً، ولا كثيرَ تفكير.

هي من البديهيات البديهيات في البلدان والدول البديهية. لكنّها عندنا، في بلادنا، هي لا تندرج في دستور، في أصول، في أعراف، في تقاليد، في طقوس الثقافة، في لياقة التأدب والعرفان والاجتماع والأنسنة.

لا أسأل لماذا لا تندرج. لأنّي عارفٌ جوابَ هذه اللماذا، وجواب اللماذات مثيلاتها، وهي جمّةٌ، وغفيرةٌ، إلى حدٍّ يدعو إلى الاستهوال. حتّى ليقول الواحد منّا، واقعًا تحت سطوة الذهول السلبي، هل يُعقَل أن لبنان هو هكذا، هو هذا.

بلاطةٌ كهذه، لا تقدّم ولا تؤخّر في عمل البلدية، في عمل القائمقام، في عمل المحافظ، في عمل الوزير (المختص)، وهلمّ. حتّى لأقول، كم من المهين أن يكتب واحدٌ مثلي مقالًا عن هذا “الموضوع”، عن هذا البلاطة. لكني أتدارك على عجلةٍ من أمري، لأقول لا.

هذا ليس مقالًا نافلًا، ولا عابرًا، ولا ثانويًّا، بحيث يمكن التحرّج منه (لسخافته مثلًا؟!) والاستغناء عنه لإعطاء الأولوية لكتابة مقال – مثلًا – عن حال الجمهوريّة، عن حال رئاسة الجمهورية، عن حال مجلس النوّاب، مجلس الوزراء، وعن حال العصابة السياسية التي، مع العصابة المالية والمصرفية، لم تترك موضعًا، لا لشاعر، بل لمرقد عنزة في لبنان، في جبل لبنان.

لا يريد هذا المقال شيئًا. لا يطالب بشيء. ولا حتّى تعليق بلاطة تقول هنا عاش الشاعر الفلاني من سنة كذا إلى كذا…
إنه يصف حال البلاد، حال الجمهوريّة، حال الدولة، من خلال الكلام عن بلاطة متواضعة متقشفة، عن تقليد كهذا، عن هذا العرف، الذي لا يكلّف تنفيذه شيئًا يُذكَر، ولا أيضًا يضيّع وقتًا ثمينًا للإدارة المعنية، ولا خصوصًا لأصحاب الفخامة والدولة والعطوفة والمعالي؛ وقتًا تعزّ إضاعته، مثلما يعزّ إهداره، على بداهةٍ، كمثل بداهة تعليق بلاطة تقول بجملة واحدة، جملة واحدة فقط لا غير، إن المخترع الفلاني، إن العالِم، إن المشترع، إن الفيلسوف، إن المفكر، إن الروائي، إن المخرج، إن الممثّل، إن السينمائي، إن المغني، إن الشاعر الفلاني عاش هنا، من سنة كذا إلى سنة كذا. وإنه مرّ من هنا.

مناسبة هذا المقال، مبادرةٌ متواضعة جدًّا، لكنها معبّرة جدًّا، تولّتها بداهةً وعفوًا، ثلّةٌ من صديقات وأصدقاء الشاعر أنسي الحاج وقادري شعره ودوره (27 تموز 1937- 18 شباط 2014)، وتُعلَّق، اليوم الأربعاء، على واجهة المبنى (بالتوافق مع ملّاكه) الذي سكنه في الأشرفيّة، شارع الاسكندر، قرب دير اللعازارية، من عام 1959 حتى وفاته عام 2014.

أمنية هذا المقال أن يصير شيءٌ من مثل هذا، تقليدًا وعرفًا، ليندرج في الجوهر من أحوال الجمهورية وأخلاقياتها ومعاييرها.

اخترنا لك