١٧ تشرين كان فورة وليس ثورة

مشروع ذاكرة بقلم رجب شعلان

كاتب وشاعر و مؤلف – محام حائز على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي الدولي

كان يمكن ليوم 17 تشرين الاول عام 2019 ان يكون يوما مفصلي في التاريخ اللبناني ، وأن يكون بداية حقيقية لتغيير ثوري والاطاحة بكل أنماط وأشكال وممارسة الفساد المتمثل بالسرقة المنظمة والشرعية من قبل المسؤلين في تلك الحقبة ، خصوصا وان الشعب اللبناني بالبيت شرائحة الدينية والطائفية والمذهبية والاجتماعية والسياسية قد وصل إلى مرحلة لا تطاق في لقمة عيشه وطبابته وتعليم اولادة والحصول على ادويه ناهيك عن حرمانه من الكهرباء والفلتان الأمني واحتكار التجار للمواد الغذائية والأدوية والمحروقات والتحكم باسعارها دون حسيب ولا رقيب وقبل كل شيئ فان رئيس الجمهورية في ذلك الحين ميشال عون وردا على سؤال قال نحن ذاهبون الى جهنم وبالفعل دخل الشعب اللبناني الى جهنم الجوع والعطش والظلام والحرمان والخوف فالدولاب صار هو السيد والعملة الوطنية صارت بلا قيمة وازداد الحصار على لبنان ودخل لبنان بعزلة سياسية بعدما شاركت معظم الدول العربية بعزلة وحصاره انفاذا لقانون قيصر وسحبوا كل الودائع المالية كما قامت مافيات المصارف بسرقة اموال المودعين وتهريبها الى الخارج على مرأى ومسمع مصرف لبنان وحاكمة رياض سلامة…

كل ذلك والاحزاب اللبنانية من 14 آذار او من 8 آذار تتلهى بصراع حول جنس الملائكة اذا كانت ذكرا او انثى ورئاسة الجمهورية أعجز عن التصدي لهذا الفساد المستشري الذي يدفع ثمنه المواطن وكانت كل الاحزاب السياسية شريكة في خراب مالطا فالاحزاب من الطرفين ممثلة بالحكومة بوزراء وممثلين في المجلس النيابي وكلهم كانو يغضون الطرف عن ما يجري في البلد واذا كان هناك من يشير إلى الفساد تبقى اشارته مجرد إشارة كلامية وهو يتابط الملفات دون ان يقول للمواطنين الذين انتخبوه من هم المسؤلين عن الفساد والسرقة ويدلي بأسمائهم او يتقدم حتى بطلب لاستجواب الحكومة حول هؤلاء الفاسدين وعمليات النهب والسرقة التي يقوم بها زبانيتهم من المافيات وكان يكتفي بالقول اللهم اني بلّغت، اللهم فاشهد.

وسط هذا الخضم الكبير من المعاناة والاذلال والتركيب وفرض سياسة التعتيم والتجهيل كان المواطن لا زال يتبع أمراء طوائفه المنغمسين في الفساد حتي اخر شعرة من رؤوسهم وتحول المواطن الى مواطن خانع وخاضع وبات يتعايش مع الازمة تحت قول يلوذ اليه الضعفاء ( خليها على الله ).

على صعيد اخر لم تكن الاحزاب الغير ممثلة بالحكم والسلطة تقوم بواجبه التي اسست من أجله لا بل انها انكفأت جانبا وتركت المواطن يواجه مصيره بنفسه فلم تلتقي مع بعضها ولم تشكل قيادة لدراسة سبل مواجهة الازمة ونصرة المواطن ولم تضع برنامج عمل ولم تحدد الأهداف التي هي في الأساس وجدت من اجل تحقيقها بل اكتفت هذه الاحزاب بإصدار بيانات شجي وادانة للنظام والمسؤولين وكان الذي يعصف بالمواطن اللبناني وعملية النحر الجميع هي في مكان آخر وليس في لبنان وجلست هذه الاحزاب جانبا على قاعدة وكفى الله المؤمنين شر القتال.

ولما وجد المواطن نفسه عاريا وذبيحا وخارت قواه وليس له من ناصر ينصره تحرك بشكل عفوي رافعا الصوت معبرا عن فقره وجوعه وحرمانه من أبسط حقوق عيشه التي كلها الدستور اللبناني لا بل الشرائع الدولية لحقوق الانسان ، ونزل هذا المواطن بجمهرة قدرت بعشرين مواطنا الى ساحة الشهداء رافعين الصوت وطالبين برفع الظلم عنهم وكان ذلك يوم 17 تشرين الاول عام 2019.

كانت وسيلة الاتصال بين الناس في ذلك الوقت هو وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة الاخرين في المشاركة في هذا التظاهر للتعبير عن الغضب.

ولعل الايام الثلاثة الاولي من هذا التحرك كانت صادقة في رفع صوتها الذي لم يسمعه احد غيرها فكان المسؤلين في الحكم والحكومة يعتبرون ان هذا التحرك هو ارهاصة سرعان ما تنتهي وكانت الاحزاب المشاركة في الحكم تنظر على ان هذا التحرك هو مجرد صرخة للتعبير عن الغضب وتنفيس الاحتقان المتاجج بالنفوس فيما أحزاب يمنية أخرى كانت ترى في هذا التحرك هو مجرد تحرك محدود لا يراها عليه لافتقاده الى القيادة والتخطيط المنظم وأهداف محددة ولعل الفضائيات اللبنانية هي المستفيدة الوحيدة التي فتحت هوائها بشكل مستمر وعلى مدار الساعة ولكنها كانت تتنقل بين المواطنين لتنشر شكواهم ، فيما كانت العديد من السفارات وعلى راسها السفارة الأمريكية تنظر بعين الصقر لتحدد من تختار للتعامل معه وتوجيهه وفق المصالح الأميركية.

كانت الايام الثلاثة الاولى وبصدق شديد هي ايام تأسيس لثورة جياع لو احسن استغلالها لكن امورا كثيرة حولت هذة الأجواء من تأسيس لقيام ثورة الى فورة وحاليا تحولت إلى منابر سياسية متخاصمة بعد دخول الاحزاب وركوب موجة التحرك الشعبي خصوصا وان الخيم التي اقيمت في ساحة الشهداء والمقابلة للرأي الحكومي كانت خيم للسياسة والسياحة وملاذا للمشردين وتكثر من ذلك تحولت ليلا الى مراقص ومرابع ليلية يجري فيها كل الاعمال المخلة بالآداب العامة.

وعليه ومنذ اليوم السادس للحرام ومع جر المتظاهرين للصدام مع الجيش ورجال الأمن الداخلي ابتعد الرعيل الاول الذين كانوا نواة التحرك حتى بلغ تعداد المشاركين الى حوالي مئة او مئة وعشرين ألفا غير ان هؤلاء كان كل يغني على ليلاه.

من هنا فان من جرى يوم 17تشرين الاول عام 2019 لم يكن ثورة بل تحول إلى فورة ثم الى همروجة ثم الى فلتان ثم الى لا شيئ وذلك للاتي :

أولا لم يكن لهذا التحرك قيادة تدير الحراك الثوري
ثانيا لم يكن هناك برنامج عمل محدد
ثالثا لم يكن هناك اهدافا محددة

لا بل ان طرح شعار الاطاحة بكل أركان النظام الحاكم كان بناء على طلب جهات اجنبيه ، أما لماذا فلو اطيح برئيس الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي والقيام الجيش والقوى الأمنية لأصبح لبنان في نظر العالم دولة غير قابلة للحياة وعلى مجلس الأمن الدولي التدخل ومناقشة الوضع في لبنان واتخاذ قرار تحت البند السابع بوضع لبنان تحت وصاية دولة يحددها مجلس الأمن وكان طبيعي ان تكون فرنسا هي تلك الدولة بموافقة ومباركة اميركية.

وفي هذا المجال يكون شعار ( كلن يعني كلن ) قدم خدم المشروع الصهيوني الامبريالي العالمي.

رابعا لقد استفادت الفضائيات اللبنانية وبعض الفضائيات العالمية بنقل صورة عن ضعف وقلة حيلة الشعب اللبناني ونقل صورة عن انه شعب متهور تنقصه الإدارة والارادة والرؤية السياسية وكيفية معالجة أمورة، فضلا عن انه شعب عفوي يتحرك وفق قرارات خارجية تمليها دول الخارج عبر سفاراتها في بيروت او وفق قرارات أمراء الطوائف في الداخل اللبناني.

والاغرب من كل ذلك أن هذه التي سميت زورا بثورة كانت فوضى بكل المقاييس ففي كل أماكن تواجدها في بيروت كمركز او في المحافظات والاقضية كانت جميعها أجساد تتحرك دون رؤوس تفكر وتعقل.

والدليل على ذلك وهو سؤال مشروع، ماذا حققت ما سمي بثورة 17 تشرين.

والجواب، لا شيئ اللهم الا ان 12 فردا ركبوا على اكتاف الناس ووصلوا الى الندوة البرلمانية باسم نواب واطلعوا على أنفسهم لقب التغيريين وهم في الحقيقة مجموعة من الانتهازيين لا طعم لهم ولكن لهم لون رمادي ورائحتهم تفوح منها الوصولية والنفعية.

نعم سقط يوم 17 تشرين وزاد على الوطن والمواطن عبئا اخر ليكون عنصرا زائدا من عناصر افقار الشعب اللبناني وتخلفه.

انتهى.

اخترنا لك