عن حزب الله و المعارضة وأزمة النظام

مشروع ذاكرة بقلم يحيى مولود

معارض سياسي ومرشح سابق

‏مما لا شك فيه أننا نعيش في أزمة متعددة الأبعاد غير قادرين على فك شيفرتها ولا ‏تفكيك أسبابها التي تبدو، وللأسف، معلومة وواضحة في أكثر الأحيان.

‏هذا النظام ولاّد للحيرة والدهشة والفشل، فهو خليط من أنظمة وتجارب ومطامع ولا يملك أبسط قواعد النظام العاقل لإدارة شؤون الناس.

‏وهنا، تتداخل العوامل وتتشعب في سبيل تحديد موقفك أمام كل استحقاق أو واقعة. متى تضيع بوصلة التفكير ويصبح كل شيء مباح وأو متاح يصبح كل شيء وجهة نظر وتضيع الحقائق في تتابع الأحداث والأحزان.

واليوم، وبعد مرور أربعة سنوات على ١٧ تشرين ٢٠١٩، نقف مجموعات وأحزاب ناشئة وأفراد أمام كل هذه الفوضى لمحاولة فكفكة هذه الشيفرة فنسقط معاً في وحولها وفي خبث أحزابها وتوافقهم. وتصبح المزايدات والعراضات والمسرحيات المتنقلة مقياس النقاش اللاعقلاني الدائر بين كل هذه العناصر. فمنهم من يريد التغيير من الداخل مبرراً لنفسه هذه المقولة بأن الخلاف ليس على المبادئ، بل على “نظرية التغير” وكأن التغيير في واقع معدوم كواقع لبنان يحتاج إلى نظريات أو إلى ذكاء خارق!

هي السلطة بأشكالها تسيطر على عقول جيل من الخيبات ومن الحيرة، فأكثر المعارضين اليوم كانوا على هامش الأحداث وعلى هامش الصورة في موائد الغير ينهشون بعض الفتات أو بعض المكاسب.

إن عدم تحديد رؤية المعارضة إنما هو تبسيط مقصود لهدف المعارضة وتحجيم إجرامي لدورها المرتقب. وهذا لابد، عن قصد أو غيره، يخدم أحزاب السلطة وأزلامها وإعلامها.

‏فمن السهل القول بأن حزب الله هو مشكلة النظام ومن الطبيعي أو البديهي انتقاد قياداته ونعتهم ببعض الصفات، ولكن هل يحل ذلك الأزمة ويجعله خائفاً من هذه الأقوال ؟ على العكس، فهذا ما يريده ليبرر حجة وجوده وبقائه أمام جماهيره فينعتنا كلنا بصفات العمالة والاستزلام بينما يتفاخر جهاراً بانتمائه العقائدي لفكر ونظام آخر من دون أي حرج.

فإذا اتفقنا على ذلك تصبح معادات الحزب ليست مقياساً لدور المعارضة، فالمعارضة الحقيقية تطرح المشروع وتعمل عليه من دون مساومات او تسويات مع أحزاباً تشبه حزب الله في رؤيتها ودورها ومشروعها.

وهنا تكمن مشكلة هذا النظام اللاديمقراطي، فالتوافق بعمقه يضرب أسس الديمقراطية فكيف إذا كان هذا التوافق على أساسٍ طائفي ذلك يضرب مفهوم الأوطان. وكيف إذا ارتضت هذه الأحزاب أن تقوم بهذا التوافق لأعوام فأعوام !

‏إذاً الأزمة، بنظري، هي أزمة نظام. وكل ما نقوم به منذ مدة إنما يطيل عمر هذا النظام الحالي ويؤجل الخلاص. فالتحركات الشعبية التي لا تحمل خطاباً سياسياً واضحاً وأهدافاً حاسمة إنما تعطي هذا النظام ورجالته دافعاً إضافياً وتحدياً جديداً لتكريس وجودهم. وهم بذلك خبراء.

وهذا ما حصل مع أحداث ١٧ تشرين وما تبعها. لا شك أننا خسرنا بعضاً من آمالنا وفتحنا الباب للانتهازيين لركوب موجة التغيير من دون وجه حق أو استفادة من ذلك حتى في خضم الانتخابات النيابية المهمة الأخيرة.

الوقوف اليوم والتأمل قليلاً في واقعنا إنما يجعلنا مسؤولون عن قول الحقائق بدل الانجرار بركب الانتهازيين وما أكثرهم. فلنتحد على مشروعٍ للنظام الجديد بوضوح المتفقين على ذلك لكسر أغلال النظام الطائفي نحو نظام الإنسان – كل أنسان.

وذلك وحده وعلى بديهيته يحتاج التضحية وعدم الانجرار وراء الرأي العام الموجّه بحكم إعلامهم وأدواتهم، بل معارضة هذا الرأي العام في بعض الأحيان ومصارحته حتى يصبح رأياً جامعاً وشاملاً وثابتاً.

هنالك من سيقول الآن بأن شعار “كلن يعني كلن” يبرئ حزب الله تحديداً فيساويه بالآخرين أقول مع نهاية حديثي بأن حزب الله من الممكن أسوأهم لكنهم أيضا سيئين. أما حان لنا أن نختار الجيدين والجديرين بدل هذه المفاضلات المقيتة ؟ مع كل ما لذلك من تبعات أو اخفاقات أو تحديات..

.. فلنواجه أو على الأقل لنجرّب.

اخترنا لك