مراسلة «الجزيرة» كارمن جوخدار : لن يُهدر دم عصام…

شيرين علمتنا نخلّي المعنويات عالية

بقلم زهرة مرعي

من على سريرها في المستشفى عاهدت مراسلة قناة “الجزيرة” كارمن جوخدار زميلها الشهيد عصام عبد الله أن حقه لن يُهدر. أكثر من عشرة أيام مرّت على الجريمة، التي ارتكبها العدو الصهيوني عن سابق ترصد وتصميم ضد الصحافيين، وكارمن ما تزال تعيش لحظات الصدمة من صاروخين انزلتهما طائرة أباتشي معادية. صدمة وأسى على زميل كانت تحادثه للتو وبات شهيداً. وتمنيات ودُعاء بالسلامة لزميلتها كريستينا عاصي، التي تعاني وضعاً دقيقاً، وزميلها مصور “الجزيرة” إيلي برخيا.

مع كارمن جوخدار هذا الحوار :

■ يوم الجمعة في 13 الشهر الجاري أين كنت ؟

في مثل هذه الساعة بالتحديد أيضاً، كنا نقف في “علما الشعب” الزميل إيلي برخيا، مصور “الجزيرة”، وعصام عبد الله وزميلان آخران من “رويترز”، وزميلان من “أ ف ب”، هما ديلين كولنز وكريستينا عاصي وأنا بالطبع. كنا نغطي قصفاً إسرائيليا تبع محاولة تسلل عند أحد مواقع القطاع الغربي. عندها جرت أول غارة علينا، وتلتها الثانية.

■ جميعكم أصبتم بالغارة الأولى ؟

بل أصيبت كريستينا واستشهد عصام في الغارة الأولى. وفي الغارة الثانية اُصبنا جميعنا كون الصاروخ انفجر في سيارة “الجزيرة”، وطالت شظاياه كل من بقربها. هما صاروخان أطلقتهما طائرة كنا نراها تحوم فوقنا. وقد وثّقنا وجودها في البث المباشر، الذي سبق إصابتنا. في عودة صغيرة بالزمن إلى عصر ذاك اليوم، وصلتُ مع إيلي برخيا إلى المنطقة بحدود الرابعة والنصف وحيدين وقدمنا أول بث مباشر، ثم الثاني.

وسئلت على الهواء، لماذا كل هذا القصف الإسرائيلي وإن كان رداً على قصف من الجهة اللبنانية؟ من المؤكد لم تكن هناك صواريخ لا من منطقة البياضة ولا من القليلة. ومن موقعنا في “علما الشعب” كانت الرؤية تسمح لنا بمشاهدة أي صاروخ ينطلق من الأراضي اللبنانية. أما الاشتباك فكان على الحدود تماماً. وتقول التقديرات إننا كنا على مسافة ثلاثة كيلومترات من الحدود، وبرأيي كنا أبعد بكثير. الاشتباكات كانت على التلّة المقابلة التي يفصلها عنّا واد. كنا على تلّة، مكشوفين تماماً، وبوضوح نظهر أننا صحافيون. كنا نلتزم بالملابس المطلوبة وبالإجراءات الدولية. لكني وفي البث المباشر قبل الأخير قلت فوقنا طائرة، ربما تقوم بدور استطلاعي وربما بأدوار أخرى. وإذ بالأدوار الأخرى قتل مباشر لنا.

■ علمت أن الحوار الأخير للزميل عصام العبد الله كان معك. ماذا دار فيه ؟

ناداني قبل الغارة بقليل ليسأل عن تفصيل بسيط. ولن أنسى مدى العمر أني قلت له “بطل في بيناتنا بس خبز وملح.. صار في بيناتنا خبز وملح وقصف”. والآن أضيف قائلة لعصام “وصار في دم”.

■ للأسف لم يعرف أن الدم أيضاً جمعكما ؟

بل هو أكثر من يعرف ذلك. وهذا الدم سنصونه ونحافظ عليه بالدلالة إلى القاتل الذي نعرفه جيداً.

■ استشهدت شيرين أبو عاقلة قبل عصام، ولم يحدد القاتل ولم يدان. والعدالة الدولية عمياء ؟

من الصعب تحقيق العدالة، لكني أفتخر بموقف قناة “الجزيرة” بعد اغتيال شيرين، والتي قررت متابعة القضية حتى النفس الأخير. وكانت “الجزيرة” الوسيلة الإعلامية الوحيدة بعد تعرّضنا للقصف التي صوّبت أصابع الاتهام نحو إسرائيل، وقالت إنها من أطلقت الصاروخين. وسمّته استهدافاً مباشراً للصحافيين. وثمّة حادث تعرّضنا له يوم الإثنين في 9/10، حيث كنت في مروحين برفقة إيلي برخيا ومهندس البث زين شمس الدين، كنّا الصحافيين الوحيدين في تلك المنطقة، وحصلت تطورات عسكرية في الظهيرة، فنقلنا الواقع. وعندها تواجدت مروحية فوقنا، وإذ بها تنفّذ غارة بالقرب منا ونجونا بأعجوبة كأفراد، لكن سيارتنا ومعدّاتنا تهشمت. وتطايرت علينا ومن حولنا الحجارة والصخور وتساءلنا إن كنّا الهدف؟ وقررنا متابعة عملنا، رغم ما حصل، مع العلم أننا كنا الوحيدين في مروحين والإسرائيلي نفّذ غارته خلفنا مباشرة. لقد تعلّمت من شيرين أننا نحتاج للنفس الطويل. وكانت تردد على الدوام “خلّي المعنويات عالية… بدّا نفس طويل”. خاصة مع كل ما نراه من ممارسات إسرائيلية تنتهك كافة القوانين الدولية. إسرائيل ارتكبت ضدنا كصحافة جريمة حرب موصوفة.

■ وما العمل وإسرائيل حصلت على الضوء الأخضر بقتلنا من كل العالم الذي يسمّي نفسه حر ؟

استشهدت شيرين، والآن عصام، وأكثر من 20 صحافياً في غزة والضفة، ودفع آخرون من دمهم وصحتهم، لكننا سنتابع الطريق والمسار الذي اخترناه كصحافيين. اخترت مساري بوعي ونضج ومعرفة وفهم، وأعرف ما يترتب عليه. هذا المسار امشيه بضمير مرتاح، وليس للإسرائيلي أن يحدد ماذا نفعل وماذا نقول. نحن ننقل الحقيقة وما من أحد قادر على نفيها.

■ بيان مكتب “رويترز” أهدر دم عصام بتجاهل القاتل. وإدارة الوكالة في لندن طلبت من العدو الإسرائيلي تحقيقاً شفافاً. فهل اعترفت إسرائيل يوماً بأي من مئات جرائمها ؟

كما سبق القول بيننا وبين عصام ما هو أكبر من الخبز والملح والقصف والدم. فدمه دمنا وممنوع هدره. لن نرضى بتجهيل الفاعل. نحن الذين نجونا بحياتنا من قصف مباشر كان محتملاً أن يتحوّل لمجزرة فعلية، نرفع الصوت ونقول ما حدث، وبحوزتنا وثائق. وعلمت بتحقيقات محترفة تقوم بها منظمات دولية. والأهم من بين هذه الوثائق بيان الجيش اللبناني في اليوم التالي لاستهدافنا، حيث قال “العدو الإسرائيلي استهدف فريق الصحافيين في علما الشعب بصاروخين من طائرة أباتشي”. إذاً هي الحقيقة وهذا هو التقرير والتحقيق الشفاف المطلوب. ونحن سنبقى نرفع الصوت ونردد حقيقة ما جرى معنا وهو أن إسرائيل أرسلت مروحية بهدف قتلنا.

■ هل سيجري تعاون مع اتحاد الصحافيين العالمي بهذا الشأن ؟

أكثر من جهة دولية تواصلت معي. الفعل وقع وهو مؤكد والفاعل معروف، وإن كانت شهادتي تخدم في تعزيز الوقائع وتثبيتها عبر أدلّة وبراهين فأنا جاهزة. كذلك تقديم ما نملكه من فيديوهات كي ننصف عصام، وكل الزملاء وأنا منهم.

اخترنا لك