جدل في فرنسا بسبب تمثال يخلّد عسكرياً اشتهر بتعذيب الجزائريين

في وقت يسعى فيه البلدان لتجاوز «آلام الماضي الاستعماري»

رصد بوابة بيروت

بينما تسعى الجزائر وفرنسا، بصعوبة بالغة، لتجاوز أوجاع ماضي الاستعمار لبناء علاقة طبيعية، احتج باحثون فرنسيون مختصون في التاريخ، بشدة، على قرار بلدية تول (شرق)، إقامة تمثال للعقيد المظلي مارسيل بيجار، الذي عُرف بممارسة التعذيب في صفوف الجيش الفرنسي بالجزائر والهند الصينية، سابقاً، خلال خمسينات القرن الماضي.

«كيف يمكننا التخطيط لإقامة تمثال للمظلي مارسيل بيجار، كما هي الحال في بلدية تول؟ وهل يعقل تمجيد ممارسة التعذيب الاستعماري الذي هو أحد رموزه؟».

هكذا تساءل المؤرخان الفرنسيان فابريس ريسيبوتي، وآلان روسي في لائحة طويلة تحمل توقيعيهما، نشرها اليوم (السبت) موقع «تاريخ الاستعمار» (أطلقه باحثون وأساتذة مهتمون بالتاريخ في فرنسا عام 2017)، وهو موجه للرأي العام في فرنسا.

وأعلن المؤرخان أن «جمعية تاريخ الاستعمار» الفرنسية تعتزم الضغط على بلدية تول، التي يتحدر منها بيجار (توفي في 2010)، لثنيها عن وضع التمثال. وأكدت اللائحة أن «العمل الذي ستقدم عليه بلدية تول يحدث في وقت أزالت فيه بلديتا باريس ومرسيليا اللوحات، التي تكرم الماريشال بوجو، جلاد الشعب الجزائري في أثناء الغزو الاستعماري».

ولدعم احتجاجهما على مسعى البلدية، تناول فابريس ريسيبوتي، وآلان روسي في لائحتهما أعمال التعذيب، التي تضمنها الأرشيف الفرنسي، والمنسوبة للمظلي بيجار خلال «معركة الجزائر العاصمة»، التي جرت خلال عام 1957، التي مسّت مئات المناضلين الجزائريين المعتقلين. وعُرفت الحادثة بـ«ملف الاعتقالات»، بقيادة أفواج الفرقة العاشرة للمظليين، تحت أوامر مباشرة من مارسيل بيجار، الذي كان يومها حديث عهد بثورة الجزائر، قادماً من الهند الصينية، حيث اشتهر بالتعذيب وقمع المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.

ومن أشهر قادة «معركة الجزائر»، الذين طالهم التعذيب بأوامر من بيجار، الشهيد البطل محمد العربي بن مهيدي الذي تعرّض للاعتقال بالعاصمة في 23 فبراير (شباط) 1957، من طرف فرقة للمظليين، وتم شنقه بعد أن ذاق صنوف التعذيب لرفضه بيع رفاقه في السلاح.

وكانت ظريفة بن مهيدي، شقيقة رجل الثورة، قد روت لـ«فرنس 24» عام 2021، تفاصيل ما دار بينها وبين بيجار في لقاء معه قبل سنوات طويلة. فقد نقلت عنه قوله: «أنا لم أقتله، لكن أرسلته إلى الجنرال أوساريس!». وكان أوساريس قدم شهادته عن بن مهيدي عام 2001، أكد فيها «إننا نزعنا أظافره وجلده وأجزاء من جسده، لكن لا كلمة خرجت من فمه، بل واصل تحدينا بشتمنا والبصق على وجوهنا قبل تنفيذ حكم الإعدام». كما أكد أوساريس أن بيجار «لم يمانع الانتهاكات التي نفذناها على بن مهيدي».

بدوره، ذكر الصحافي الجزائري الشهير، ناصر السعدي، أن الساحة التهبت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بإقدام جريدة «آلجيري أكتياليتي» الحكومية، على إجراء حوار مع الجنرال السفاح مارسيل بيجار، أحد أهم ضباط فرنسا في حرب الجزائر، وصاحب مقولة «التعذيب شر لا بد منه»، مبرزاً أن أصواتاً تعالت يومها لمحاسبة مديرها، كمال بلقاسم، والصحافي حمزة تيجيني معد الحوار.

وبمناسبة مرور 67 سنة على قتل بن مهيدي، راسلت 20 منظمة في فرنسا،«الإليزيه» في الرابع من مارس (آذار) الحالي، تطالبه بـ«اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب» خلال ثورة الجزائر. وتم تقديم الرسالة في مؤتمر صحافي بباريس، جاء فيه أن «انتهاج طريق فهم الدوامة القمعية، التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكّل الاغتصاب أداته الأساسية (…) ليس تعبيراً عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة».

ومن بين هذه المنظمات «رابطة حقوق الإنسان»، و«المجندون السابقون في (حرب) الجزائر، وأصدقاؤهم ضد الحرب».

اخترنا لك