تداعيات اختطاف منسّق “القوات” باسكال سليمان

‏بقلم مجد بو مجاهد

أخيراً ظهرت الحقيقة. سوريّون أقدموا على جريمة قتل منسّق “القوات اللبنانية” في منطقة جبيل باسكال سليمان، ونقلوا جثته إلى بلدة زيتا السورية القريبة من الحدود، وأجرت مخابرات الجيش اللبناني مفاوضات لتسلّمه عبر الصليب الأحمر. هذا المستجد، بدّل كلّ المعطيات التي اتّسمت بالتفاؤل والتهدئة، لتعيد التذكير بفصول ومحطات دموية سابقة. يتململ اللبنانيون إثر واقعة طرحت محاذير متوجّسة من هشاشة بدأت تصيب الأوضاع الأمنية وسط مظاهر فوضويّة نتيجة اختطاف منسّق “القوات اللبنانية” في قضاء جبيل باسكال سليمان الأحد الماضي بعدما أقدم أشخاص يستقلّون سيارة على خطفه بقوّة السلاح أثناء مروره عند مفترق طرق في المنطقة. ويتراجع انضباط الوضع الأمنيّ الداخليّ في مرحلة مصيريّة يصارع فيها البلد اشتداد احتدامات، من دون إغفال حال الاعمال الحربية المتفاقمة جنوب لبنان أيضاً. ويحاول نوّاب قوى المعارضة إطلاق صرخة مستنكرة يراد منها منع التدهور الأمنيّ والتأكيد على أهمية أن تعمل الدولة على بسط نفوذها، ومنع الجريمة. ولا يزال حزب “القوات اللبنانية” يبحث في أسباب اختطاف سليمان مع التحذير من أبعاد الاستهداف الذي لم يكن بمثابة حادثة بسيطة إنما عملية منظّمة في منطقة آمنة. ولا يمكن لمعراب أن تتغاضى عن الواقعة أو أن تضعها في خانة عادية. وتنطلق استفساراتها من البحث عن الدوافع التي أدّت بفريق منظّم إلى القيام بعملية اختطاف نوعية (ثم قتل) واجتياز مناطق لبنانية بعيدة، من دون أن تكون ثمّة قدرة على إيقاف المنفّذين، ما يطرح استفهامات حول الداعمين الأساسيين الذين يقفون خلفهم ومبتغياتهم خارج أيّ تبسيط لما حصل. وابدى نواب “القوات” ثقتهم في القوى الأمنية اللبنانية مع تواصل مباشر لم يخفت بحثاً عن السبل الممكنة لإنقاذ سليمان وسط حالٍ من الغضب العارم المسيطر في أروقة المناصرين نتيجة اختطاف شخصٍ ينوّه عارفوه في خصاله الشخصية واعتباره بمثابة مواطن مسالم وبعيد عن العداوات والمشاكل.

لا يمكن إفراغ الواقعة من الجانب السياسيّ مهما تعدّدت أسباب الخطف بحسب انطباعات “القوات اللبنانية”، ذلك أنّ المستهدَف مواطنٌ يمثّل فريقاً سياسياً ويعتبر مسؤولاً تنظيميّاً أساسياً في منطقته. ودفع اختطافه برئيس “القوات” سمير جعجع للخروج من المقرّ العام للمرّة الأولى منذ فترة وتخطّيه للتهديدات الأمنية بهدف الحثّ على تحريره سريعاً والقول إن السكوت عن الواقعة غير ممكن. في التبعات، يحذّر حزب “القوات اللبنانية” من تكرار المحاولات المتلاحقة لاختطاف المواطنين ما لا يجعل الواقعة بمثابة حادثة عابرة ومن الضروريّ “دفن هذه الأنماط في مكانها”. ويحرص على اتخاذ مساعٍ مع القيّمين الأمنيين والحكوميين كشفاً للأسباب التي أدّت لاختطاف باسكال سليمان والتأكيد على رفض نموّ مظاهر الجريمة أو تكرارها والاستخفاف في قوّة القانون، فيما تتعطّل السلطات الدستورية وتتفاقم التجاوزات التي تتحول موضع إدانة. ولا بدّ أن يبدأ الحلّ من إنهاء الشغور في استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية والعمل على الانتظام في مؤسسات الدولة. وتركت الواقعة “خيبة غاضبة” في نفوس المناصرين الذين كانوا قطعوا الطريق عند أوتوستراد جبيل في الاتجاهين. في غضون ذلك، طلبت “القوات اللبنانية” عدم الانجرار خلف ردّة فعل غير مدروسة والبقاء خلف القوى الأمنية لتبيان الأسباب التي أدّت الى الاختطاف، مع التذكير في أن مرحلة التسعينات التي كانت تعرّضت “القوات اللبنانية” خلالها لأعتى أنواع الاضطهاد قد ولّت، وأنّ الأوضاع ليست نفسها حالياً. ولا يمكن تجاوز الحقيقة والقانون.

يصرّح عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب رازي الحاج حول أبعاد واقعة الاختطاف وتداعياتها، في قوله لـ”النهار” إنّ “شريعة الغاب التي نعيشها في لبنان ناتجة عن تحلّل الدولة والموضوع ليس جديداً. في طبيعة الحال، نتخذ موقفاً هادفاً لوضع حدٍّ للاضمحلال الحاصل في الأوضاع الأمنية في كلّ لحظة يستقلّ فيها المواطنون سيارة. إن الهدف الأساسي من تحرّكنا كنواب هو إطلاق صرخة مدوّية حتى تأخذ الدولة موقعها الطبيعي في حماية البلد”. يضيف، “لا بدّ من انتظار التحقيق وبعد ذلك نبحث في الأسباب، لكن يتّضح أن أمن المواطنين مهدّد اليوم ولا بدّ من إنهاء ما يحصل وانتظار جلاء الحقيقة من خلال القوى الامنية”.

عن الاختطاف وما بعده، يقول الباحث والكاتب ميشال الشماعي لـ”النهار” إن “ما حصل يشكّل نتيجة في بلد غير منضبط أمنياً في غياب تطبيق القانون، لكن لا بدّ من التعويل على أجهزة الدولة التي تستطيع الوصول للخاطفين إلا إذا كانت هناك استفهامات حول سبب سياسي. نحن مؤسساتيّون ونلجأ للدولة اللبنانية التي نؤمن بها. إذا لم يحصل حلّ المشكلة في الأطر القانونية الصحيحة يمكن أن يؤدي ذلك لتبعات، لكن الواقعة لا يمكن أن تمرّ ببساطة حتى لو لم يُصِب باسكال سليمان أي مكروه”. ويستنتج أنه “لا بدّ من تطبيق القانون إذا كانت مسألة الاختطاف خاصّة بعصابات، لكن إذا كانت حيثيات القضية بقوى سياسية ضليعة في ما يحصل، فإن عمليات كهذه لا يمكن أن تنفذ من أشخاص بل من منظّمات. ممنوعٌ غياب وجود الدولة. نحن خلف الدولة ونضغط عليها مع التكتل النيابي الأكبر حتى يكون في الإمكان تحقيق أكثر ما يمكن بلورته في قضية باسكال سليمان”.

في جانب التطوّرات الأمنية، أعلنت قيادة الجيش أنّ مديرية المخابرات تمكّنت من توقيف عدد من السوريين المشاركين في عملية خطف المواطن باسكال سليمان بعد متابعة أمنية ويحصل التحقيق معهم والمتابعة لتحديد مكان المخطوف والدوافع. وبحسب معطيات أمنية رسمية لـ”النهار”، إنّ “التحقيقات الأمنية استمرت مع الموقوفين السوريين الذين ألقي القبض عليهم، إلى حين اعتراف احدهم بقتل سليمان ونقل جثته إلى سوريا.

وقد شكل اختطاف باسكال سليمان، قبل التأكد من مقتله، قلقاً لدى القواتيين لخوفهم من أن يشكل جزءاً من الاستهدافات التي طاولت قياديين منهم على مراحل تاريخية. ولا يمكن إغفال إسم رمزي عيراني الذي كان حضوره كمسؤول عن دائرة الجامعة اللبنانية في مصلحة الطلاب يزعج السلطات سنة 2002. وكان يشعر في المدة الأخيرة قبل اغتياله خلال تنقلاته أن سيارة أو أكثر تلاحقه من دون أن يظهر من في داخلها عن نواياهم، قبل أن يعثر عليه جثّة بعد أيام على فقدان أثره ويرحل عن 36 عاماً. ولا تزال “القوات اللبنانية” مستهدفة بعدما كان رحل عضو المجلس المركزي في “القوات” الياس الحصروني قبل أشهر في الجنوب اللبنانيّ، الذي عثر عليه جثّة ثم تبيّن أن سيّارتين قطعتا الطريق أمامه قبل استشهاده، وتوقفت التحقيقات من دون نتيجة حتى الآن.

اخترنا لك