بلطجة

بقلم عماد موسى

«اليوم يُمنع مسرح مونو، منعاً عمليّاً، من عرض مسرحيّة وجدي معوّض. غداً تُمنع السينمات من عرض أفلام سبيلبرغ، وتُمنع دور النشر من ترجمة كتب هابرماس ونشرها. هذا آتٍ لا محالة إن لم تتصدَّ الحياة الثقافيّة، أو ما تبقّى منها، لهذا العبث الميليشياويّ الذي يريد لبلدنا أن يغطس في العتمة والهمجيّة. والهمجيّة غالباً ما تخرج من فوهة البنادق». هذا ما كتبه حازم صاغية يوم الجمعة بعد قرار مسرح مونو إلغاء عروض مسرحية «وليمة عرس عند رجال الكهف» للمسرحي الكندي، اللبناني الأصل. إستعمل الزميل الكبير التعابير الدقيقة في وصف أعمال ترهيب المخرج على وسائل التواصل الإجتماعي وتقديم إخبار بحقه بجرم «التواصل مع العدو الإسرائيلي ومخالفة قانون مقاطعة إسرائيل» وإلى «العبث الميليشياويّ» و»الهمجية» تضاف صفة «البلطجة» بعدما وُسم تاريخ معوّض بسمة «التاريخ التطبيعي والترويجي للاحتلال الإسرائيلي».

بات قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في العام 1955 مشجباً، يعلّق عليه كارهو الثقافة بمعناها الإنساني الواسع، عقدهم كما يستعملها بعض من المحامين والنشطاء، سلّماً للشهرة.

لم يناقش أحد موضوع مسرحية معوّض الجديدة ومضامينها، ولم يشاهد أيّ من المعترضين مسرحية «كل العصافير» (عُرضت العام 2017 في العاصمة الفرنسية) التي قيل إنها مموّلة من السفارة الإسرائيلية في باريس. المسألة كما يقاربها «المهوّلون» بالقضاء العسكري متّصلة بالقانون. بربكم أي مخالفة قانونية هي الأفظع: إقامة دولة دينية داخل دولة في لبنان تستلهم «الخمينية» نهجاً وممارسة بما يتعارض مع الدستور اللبناني وإقحام لبنان بحروب وتعريض أهله للقتل والتهجير نهجاً وممارسة أو تقديم مسرحية؟

شُنّت على معوّض حملة من واحدة من جوقات الممانعة ونسبت إليه أنه «توّج كرهه للفلسطينيين المعلن دائماً بموقف شيطن فيه قوى المقاومة بعد «طوفان الأقصى»، معتبراً أنّ “ميليشيات حماس” رمز لـ «قوى الظلام المجنون» وهذا الرأي تتبنّاه شريحة واسعة في لبنان والعالم العربي جهاراً. لم يسمع هؤلاء الغاضبون على معوّض، ما قاله السفير الفلسطيني وعضو المجلس الوطني الفلسطيني أسامة العلي في مقابلة تلفزيونية: «إن جماعة حماس مجانين» و»هنية يهذي»، مضيفاً «هيدا مجنون وكل اللي بيصير بغزة عملوه ناس مجانين لما دخلوا على الطوفان». ومتى أصبح انتقاد «حماس» و»السنوار» والمغامرين بحياة الفلسطينيين جريمة؟

نعود إلى الأساس. «البلطجة» على مدير مسرح “لا كولين” الباريسي ليست الأولى في سجل الحرصاء على تطبيق القانون. أمين معلوف، أمين عام الأكاديمية الفرنسية حظي قبله بـ»صلية» تغريدات وتعرّض للتخوين جرّاء مقابلة مع قناة عدوّة. تسامح معه «الممانعون» بأن لم يطالبوا بنزع الهُوية اللبنانية عنه. نال المخرج زياد الدويري قسطاً من التخوين بمفعول رجعي، فبعد نجاح «القضية رقم 23» ونيل الممثل الفلسطيني كامل الباشا في «مهرجان البندقية» الجائزة الاولى، وبعودته إلى بيروت (أيلول 2017)، كانت المحكمة العسكرية للدويري بالمرصاد فاستجوبته على خلفية تصوير فيلمه «الصدمة» في إسرائيل (العام 2011)، وهو كان بعث برسالة إلى إحدى «السلطات الأمنية الرسمية» طالباً الإذن والاستئناس برأي السلطة.

مرّ التحقيق على خير إذ تبيّن عدم وجود نية جرمية. ومنذ ذاك الوقت لم يعد الدويري إلى بيروت لأن البلطجية له بالمرصاد.

اخترنا لك