هذه هي الخطّة ب الرئاسيّة : فوق الجميع

بقلم عقل العويط

مَن حضر جلسة النوّاب لانتخاب رئيس الجمهوريّة، وما سبقها من استدعاءٍ مفاجئٍ لعقدها، وما رافقها من تكهّناتٍ واستعراضاتٍ ظاهرةٍ ومناوشاتٍ في الكواليس، وما نجم عنها من نتائج (فالصو)، ظنّ – وبعضُ الظنّ إثمٌ – وبعضُهُ الآخر ساذجٌ ثمّ مترفٌ ثمّ مستدعٍ للازدراء وللقرف وللتقيّؤ – أنّ لبنان ليس على قلبه همٌّ البتّة. أو تقريبًا. أو في الغالب الأعمّ. أو ربّما لا همّ على قلبه مطلقًا، ومليونًا في المئة.

أين العجب في وقائع جلسة النوّاب يوم الخميس 29 أيلول، التافهة في أقلّ تقدير، والمخزية والمهينة والمعيبة والمزدرية الناس والموت والموتى، إذا كان النوّاب هم هؤلاء، ويتصرّفون كما لو أنّه ليس في لبنان عجزٌ بمئة مليار دولار. ولا انهيارٌ للعملة الوطنيّة. ولا تفجيرٌ للعاصمة ومينائها.

ولا انقطاعٌ “غينيسيٌّ” (من غينيس) للكهرباء. ولا للماء. ولا للخبز. ولا انعدامٌ لقوّة الشراء. ولا جوعٌ. ولا فقرٌ. ولا عطالةٌ اجتماعيّة. ولا مراكب موتٍ وهجرةٍ وتهجير. ولا ذلٌّ ولا مهانةٌ ولا يأسٌ ولا انتحارٌ. وإلى آخره.

هنيئًا لنا بمجلسٍ للنوّاب (للأمّة للشعب) كهذا (سيّد نفسه)، وبقوى سياسيّة، ممانِعة مقاوِمة سياديّة تغييريّة مستقلّة وحياديّة كهذه. وأخرى لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

طبيعيٌّ أنْ يتفهّم المرء موقف الذين صوّتوا لشخصٍ هو نفسه طامحٌ للرئاسة، ويجاهر بهذا الطموح، بصرف النظر عمّن يكون، وعن امكانات فوزه والخسارة. لكن ليس طبيعيًّا ولا مقبولًا ولا مشرّفًا أنْ يصوّت بعض هذا المجلس بورقةٍ بيضاء (شو صاير. معنا وقت للتأجيل وللهرب إلى أمام، ولِمَ لا للتسلية والسعدنة والتذاكي).

كما ليس طبيعيًّا ولا مقبولًا ولا مشرّفًا أنْ يصوّت بعضٌ آخر لمَن لا يريد أنْ يكون رئيسًا، ولا حتّى أنْ يفكّر في رئاسة، ولا أيضًا أنْ يترشّح، بعدما جُسّ نبضه في هذا الشأن، وسئل مرارًا وتكرارًا (بعد نظرٍ تغييريّ، وغير شكل. مش هيك؟!).

كما ليس طبيعيًّا ولا مقبولًا ولا مشرّفًا أنْ يصوّت بعضٌ ثالثّ – للبنان – (تفضّلوا شوفوا. تمخّض الجبل فولد صرصورًا). إلى آخره.

هنيئًا لنا بـ”سيّد نفسه” هذا، نائبًا نائبًا، وكتلةً كتلةً (وتكتّلًا) وإلى آخره.
ماذا بعد؟

إلى الوضوح (إكرامًا لسمير قصير):

لا يتحمّل لبنان رئيسًا من “8 آذار”. مَن يريد أنْ يأتي برئيسٍ كهذا، يعرف مسبقًا أنّه يطلق رصاصةً قاتلةً على مريضٍ يُدعى لبنان.

في المقابل، لا يتحمّل لبنان رئيسًا مرفوضًا من فئاتٍ عدّة، مهما تكن معاييره ممتازةً. واضح؟! مفهوم؟!

في المقابل أيضًا، لا يتحمّل لبنان رئيسًا (تبويسيًّا)على طريقة “حكومات الوحدة الوطنيّة” الكاذبة المنافقة والقاتلة. واضح ومفهوم؟!

أوعا. ثمّ أوعا “التبويس” و”الوحدة الوطنية الكاذبة” و”العيش المشترك الكاذب”.

يتحمّل لبنان – فقط لا غير – رئيسًا مؤمنًا (مش بالحكي بل بالفعل) بالدستور، وعاملًا للدستور، وحارسًا للدستور (وليس ناكثًا عهده) وغير خارجٍ على الدستور، مهما تكن الظروف والمشقّات والصعوبات والمغريات. بما ينطوي عليه هذا الوصف المختار من وعيٍ وحكمةٍ وعقلٍ وتعقّل. رئيس، يكون سيّد نفسه (وإنْ من خارج مجلس النوّاب. بل ضروريٌّ – في الغالب الأعمّ – أنْ يكون من خارجه)، لا يستطيع أحدٌ أنْ يغبّر على نظافته ونزاهته وكِبَر نفسه وكرامته وأخلاقيّاته ومعاييره الوطنيّة السياديّة (أوعا حدا يتمسخر على مسألة السيادة، وخصوصًا في ظلّ وجود سلاحٍ غير سياديّ. أوعا).

رئيس كهذا، يمكن أنْ يكون انتخابه بأكثريّةٍ كبيرةٍ وعاليةٍ (إذا عرف كلّ طرفٍ حدّه (الوطنيّ) فوقف عنده، في هذا الظرف الوجوديّ والمصيريّ القاتل. وخصوصًا مَن يملك من هؤلاء الأطراف قوّة السلاح، ومن يتحالف معه).

وإذا تعذّر مثل هذا الانتخاب بأكثرية الثلثين، أكثر أو أقلّ، فليُنتخَب الرئيس بـ 65 نائبًا فما فوق، ما دام يتمتّع بالصفات المذكورة آنفًا + ليس استفزازيًّا لأحد + ليس تبويسيًّا وممودرًا.

لا يتذرّعنّ أحدٌ – رجاءً – (احترامًا للذكاء) بأنّ الاكتفاء بمثل هذا العدد من الأصوات يعني أنّ مَن سيُنتخَب ميّالٌ بالطبع إلى “14 آذار”. “14 آذار” ليس نقيصة ولا عارًا. النقيصة والعار هما في مَن يحبّون الاستيلاء على “14 آذار”، معتبرين أنفسهم اولياء ذلك الحدث التاريخيّ الاستثنائيّ.

ليس لـ”14 آذار” أمّهات وآباء. هو أمّ نفسه وأبوها. في هذا المعنى – فقط – انتخِبوا رئيسًا يفهم الأمور بهذه الطريقة، ويعمل في هديها (وله تاريخه في هذا الباب)، لأنّها في صلب كتاب الدستور: رئيس يريد الدولة. فقط لا غير. هذا الرئيس هو رئيس لبنان كلّ لبنان، وهو نفسه رئيس 17 تشرين وأوجاع المألومين. ما حدا يزايد ع حدا. رجاءً. وأيضًا احترامًا للذكاء.

فكِّروا جيّدًا في المسألة، لأنّها ليست للمزايدة ولا للاختباء وراء الأصابع ولا للهرب إلى الأمام.

هذه فرصة صعبة، نادرة، محفوفة بشبه المستحيلات. اغتنِموها لأنّها ليست مستحيلة، ولا تستفزّ أحدًا، ولا تؤلّب أحدًا على أحد، ولا تبتغي غلبة. إكرامًا للبنان الدولة والدستور. ووفاءً لـ17 تشرين.

هذه هي الخطّة ب لمَن يريد الخطّة ب. وهي تعني لبنان كلّه، وخلاصه. وهي في الآن نفسه (لمَن يريد أنْ يعلم) عابرة للجميع وفوق الجميع، وأعلى من 8 و14.

اخترنا لك