جورج قرداحي « خسر المليون » وربح الذل والعار…

ما بين ذاكرة السمك و الخوارزميّات

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت

“في نظري هذه الحرب اليمنية عبثية يجب أن تتوقف”… هذه الجملة التي هزة الإعلام اللبناني بتوقيع وزيره، والإعلام العربي بتوقيع نجمه العتيق، كما تفاقمت بشكل متسارع حدة الأزمة بين لبنان من جهة والسعودية ودول خليجية من جهة أخرى.

الجملة المفجرة، أطلقها جورج قرداحي، والذي كان وزيراً للإعلام اللبناني حينها، وممثلاً لمحور الممانعة في الحكومة اللبنانية. وهو المذيع السابق في قناة “MBC”، والذي لقبه العرب حينها بـ “المنقلب على ولي نعمته”.

قرداحي، الذي اعتاش سنين طويلة من خيرات هذه المجموعة الإعلامية السعودية، قبل أن ينقلب عليها إرضاءً لسياسة الممانعة، والتي صنعت منه وزيراً في حكومة ميقاتي.

وقد حاول “حزب الله” في محاولة فاشلة أن يوازي استقالة قرداحي، بإزاحة المحقق طارق بيطار عن التحقيقات بقضية تفجير مرفأ بيروت.

الا أن احتدام المواجهة أجبر جماعة محور الممانعة الى الطلب منه تقديم استقالته في محاولة لتخفيف التوتر مع دول الخليج العربي مع تعطيل سياسي داخلي للحكومة في خطوة عدها مراقبون استجابة لـ “ضغوط فرنسية”. بعدما قامت المملكة السعودية بطرد السفير اللبناني وحظر استيراد السلع من لبنان، موجهة بذلك صفعة لاقتصاده الذي كان يعاني من أزمات وما ذال بسبب فساد الطبقة السياسية الحاكمة.

كما وأطلق حينها نشطاء حملة للمطالبة بطرد ابنتي قرداحي باتريسيا و باميلا، من عملهما في مجموعة “MBC” السعودية و “الفطيم” الإماراتية.

رغم ذلك، رفض قرداحي الاعتذار أو الاستقالة، ما دفع ببعض الوزراء والنواب اللبنانيين لدعوته لذلك أيضًا. إل أنه استمر بإصدار تصريحات استفزازية أتجاه الدول الخليجية، ما زاد الطين بله. فاستدعت السعودية والكويت والبحرين سفراءها في لبنان، في رسالة واضحة على ضرورة حلحلة هذه القضية مهما كلف الأمر.

هذه التجربة المرة، تبرز أحد أبشع أوجه “العهر السياسي اللبناني” المسبب بالتوتر الدائم مع الأشقاء العرب، خصوصاً في ظل الصراعات التي تشهدها المنطقة، بدءً من أيران المحرِضة وصولاً الى سوريا المقَسمة.

المشهد “صفر”

يعود اليوم قرداحي لينبش ما دُفن عند استقالته، عبر ظهوره في برنامج “حبر سري” عبر قناة “القاهرة والناس” تمنى من خلاله أن يتمكن من زيارة المملكة السعودية “لأنها تعنينه”، كما قال في سياق اللقاء للإعلامية اسما إبراهيم، كما وبرر ذلك التمني لسبب فضل المملكة عليه.

نتج عن هذا اللقاء ردود كثيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن أهمها ما نشر عبر منصة تويتر من إعلاميين وسياسيين متابعين للشأن العربي والخليجي، أعُيد من خلالها عرض المشهد “صفر”، يوم أدان قرداحي الحرب الواقعة في اليمن، واتخذ موقفاً سياسياً ضد دول الخليج المشاركة في العمليات.

“جنرالات” إيران في العراق

وفي ذات السياق، ذكَر الإعلامي العربي طارق أبو زينب المتابعين بزيارة جورج قرداحي الى العراق منذ خمسة أشهر، والتي التقى خلالها، حسب توصيف أبو زينب “جنرالات إيران” في العراق وهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، هادي العامري رئيس منظمة بدر و زعيم تحالف الفتح و رئيس حركة النجباء و الحشد الشعبي، المدعومين من الحرس الثوري الإيراني. وأعاد قرداحي التأكيد خلال الزيارة بـ “لست نادمًا على ما قلته بحق السعودية “.

خبر زيارة قرداحي الى العراق أعاد اشعال خطوط التواصل، وكشف ما أعتبره البعض غزل بسبب “الطفر المالي” و استجداء لكسب رضى السعودية، كما وأعترف قرداحي بأنه لم يعد يُدعى الى أي من فعاليات “MBC” الإعلامية أو سواها على أرض المملكة خصوصاً.

تصحيح البوصلة

هنا نسأل، ما سبب هذه التقلبات والارتدادات، ممن سخر نفسه لخدمة الفتنة ونشر الخطابات العدائية، مدعياً نصرته للحق كما فعل قرداحي في ملف الحرب الواقعة في اليمن، وما سيقول لليمنيين اليوم بعدما أعاد تصحيح بوصلته باتجاه المملكة ؟

هذه البوصلة التي يعاد ضبطها من قبل الكثيرين هذه الأيام لا بد وأن تصطدم بجدار الحقيقة، لتزول عنده الأقنعة وتنكشف الوجوه الحقيقية.

الذاكرة التي لا تموت

ونتذكر قول الجبرتي بأن « ذاكرة العوام ثلاثة أيام » في خلاصة تجربته في مراقبة الحوادث التاريخية، والتي أعتمد عليها كثير من البشر فيما يفعل بعضهم لبعض، فلا يحترمون أي قيمة سواء في البيع أو الشراء أو المعاملة.

أما اليوم، نحن نحيا في زمن الكفاءة الخوارزميّة، حيث الذاكرة لا تموت، والذاكرة التي لا تموت، تُميت.

اخترنا لك