الجحيم الّذي يعيش فيه كلّ شياطين الأرض… هو وطني

لم يكن وداعاً، كان اختناقاً وموتاً بطيئاً للحُلم

بقلم غادة المرّ

ذاك المساء ..

بعلبك، مدينة الشّمس ، من معبد باخوس ، إبداع وميض أمل وفرح عبرَت حدود الوطن إلى العالم، فأنارت جحيم ليل وطن يرزح تحت عجلات حاضر بائس ومظلم.

طغى حضور بيتهوفن ،جبران خليل جبران، فيروز ،الرّحابنة ،وسحر و روعة أنامل مبدعة ، وصوت وكلمات وعزف الفرقة الموسيقيّة اللّبنانيّة بقيادة المايسترو هاروت فازيليان ، عمالقة الإبداعِ العالميِّ والّلبنانيِّ .

ذاك المساء ..

صدحت موسيقى الحياة و أطيافها في عروقنا وأرواحنا وأيقظت ذاكرة وحنيناً لا يهدأ.

وفاض سيل من الصّور والعزّ والأمجاد ، لحقبة ذهبيّة ولّت وما زالت تعيش في وجداننا.

برزت صورة لبنان ،حضارته ،ثقافته وأمجاده، الّتي أمعنوا في تهشيمها وتشويه معالمها وطمسها.

فطغت على هدير صوت الجّوع والوجع والحقد والذّل والحرمان .

لا تطفئوا أنوار مدينة الشّمس كي لا ينطفئ الحلم والأمل والحنين في قلوبنا الموجوعة والدامية.

أطفئوا بيوت السّياسيّين وحكّامنا الفاسدين المستبدّين، وأضيئوا بيوت النّاس المقهورة .

أشعلوا أنوار قلعة بعلبك وصور وصيدا وجبيل وطرابلس وعنجر وردّوا الرّوح لساكنيها .

ذاك المساء..

وقفت مدينة الشّمس شامخة ، وعبرَت الوجدان والحواسّ لشعب ترعرع على روعة الإبداع والموسيقى والفنِّ الراقي وثقافة الحياة والانفتاح والحرّية .

ذاك المساء ..

كان الصّمت والخشوع والدّموع والغصة أبلغ صلاة جماعيّة صامتة .

أأبكيك يا وطني أم تبكيني ؟

حين يبكي الرّجال في وطني ، وينتحرون ..

فلتحلَّ عليكم لعنة ساكن الّسماء ولتدوسكم عجلات مزبلة التاريخ.

الجحيم الّذي يعيش فيه كلّ شياطين الأرض .. هو وطني لبنان .

عذراً منكم يا أولادي. لم أستطع أن أُهديكم وطناً على مساحة أحلامكم وطموحاتكم ، تعيشون فيه بكرامة وحريّة وحضارة ، تتمتّعون بكامل حقوق الإنسان والمواطن وتبنون فيه حياة كريمة ، مريحة ومستقبلاً واعداً لكم ولأولادكم .
أن تتمنّى حصول السيِّء خوفاً من الأسوأ والأسوأ.. هو أسوأ ما يمكن أن يحصل لك .

شياطين الطّبقة السّياسيّة في لبنان ،سرقوا .. نهبوا .. وجعلوا من الوطن جهنَّم. قتلوا أحلامنا وبعثروا.

جنى عمرنا ونهبوا ثروات وخيرات الوطن ، ودفعوا فلذات أكبادنا للهجرة سعياً وراء أحلامهم ولقمة عيشهم وحقوقهم كبشر .

إنّهم شياطين وطني ..

غيّروا وجهه ، طمسوا حضارته وفصّلوا الحياة فيه على مقاس فسادهم وصفقاتهم و أجنداتهم الخارجيّة وجعلوه جحيماً فيه يرقصون رقصة الموت والانتحار البطيء .

ذاك المساء ..

لبنان رقص زهواً بألوان قوس قُزَح في قلوبنا وعيوننا .

ذاك المساء ..

حين صمتتِ الموسيقى وانطفأت الأنوارُ ، لم يكن وداعاً .. كان إختناقاً وموتاً بطيئاً للحلم والحياة فينا .

ذاك المساء ..كان لبنان ، لبناننا نحن ، هناك ..

و عاد الحلم والأمل ينبض فينا .

اخترنا لك