مشروع الـ 10 ملايين شجرة… كيف نعمل على ألا يتكرر التعثر ؟

بقلم رزان أكرم زعيتر

تابعنا في العربية لحماية الطبيعة باهتمام تقرير الصحفية في جريدة الغد الأردنية السيدة فرح العطيات، المنشور في 13 حزيران (يونيو) 2023 بعنوان « زراعة 10 ملايين شجرة حرجية.. مشروع آيل للنسيان»، ونكرر التساؤل الذي طرحه التقرير عن عدد الأشجار التي تمت زراعتها بعد مضي 3 سنوات على إطلاق مشروع التحريج الوطني، وذلك من باب الشفافية المرجوة من الجهات ذات العلاقة، وإن كانت العلة كما ذكر التقرير «نتيجة نقص التمويل المطلوب لاستدامة عمليات الزراعة طيلة فترة التنفيذ، والتي تقدر بنحو 50 مليون دينار»؛ فلماذا لم يُعط المشروع الأولوية نظراً لأهميته وتم إطلاقه بلا مخصصات مرصودة لإنجاح كافة مراحله ؟

كما طالعنا في 2 تموز (يوليو) 2023، موافقة مجلس الوزراء على «خطَّة تنفيذ المبادرة الوطنيَّة لزراعة (10) ملايين شجرة خلال مدَّة (10) سنوات، للأعوام (2023 – 2030)… على أن تقوم الجهات المشاركة، بما في ذلك القطاع الخاص، بتوفير عناصر الاستدامة للمشاريع التي تقوم بتنفيذها». السؤال لماذا جاءت الموافقة بعد 3 سنوات من الانطلاق ؟

نطرح هذه التساؤلات بألم مشيرين أننا منذ بداية المشروع قدمنا وجهة نظرنا كما يمليه علينا ضميرنا الوطني والمهني متكئين على نقاش موضوعي وعلمي بأبعاد اقتصادية تولي الأمن الغذائي الوطني والإقليمي أولوية قصوى، لا سيما مع توجهات المملكة أن تكون مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي.

بحسب الأصول والمراسلات الرسمية أرسلنا «ورقة خبرة» بتاريخ 27 آب (أغسطس) 2020 لوزارة البيئة صاحبة الدعوة لمشروع التحريج الوطني حينها، سبقها كتابان لوزير البيئة ووزير الزراعة المكلف آنذاك، بتاريخ 29 تموز (يوليو) 2020، و10 آب (أغسطس) 2020، لتوضيح الإشكالات الكبيرة في المشروع إلا أننا مع الأسف لم نستلم أي إجابة رسمية، وبالمقابل استلمنا كتابا من وزارة البيئة بتاريخ 24 آب (أغسطس) 2020، يحتوي على دعوة لتوقيع مذكرة تفاهم بيننا وبين وزارتي الزراعة والبيئة وتعهد يلزمنا بتعليمات وشروط لم تأخذ بالحسبان أي من ملاحظاتنا.

نجد أنفسنا وللمصلحة العامة نعيد نشر ملاحظاتنا مرة أخرى ونتمنى أن تجد اليوم طريقها لرئاسة الوزراء ولوزارتي الزراعة والبيئة والجهات ذات الاختصاص لإنجاح هذا المشروع الوطني المهم والاستفادة منه بأكبر قدر ممكن مناخياً وغذائياً واقتصادياً، لا سيما وأن هذا اختصاصنا وقد صمدنا وتابعنا مشروعنا في الأردن «القافلة الخضراء» خلال عقدين بدعم من شركات وطنية وأفراد دون أي تمويل أجنبي، ونجحنا بزراعة 166 ألف شجرة وتمكين 10 آلاف أسرة زراعية أردنية، عدا عن 2.7 مليون شجرة في فلسطين ضمن مشروع المليون شجرة، وحجزنا لأنفسنا موقعاً متقدماً في المجتمع المدني الإقليمي والدولي كمنظمة مجتمع مدني أردنية حقيقية تعمل وتنجز وتتابع بحرص تثبيت وجهة النظر العربية والعمل على التأثير بالسياسات الدولية والإقليمية الخاصة بالغذاء والزراعة والمناخ بما يعطي أولوية لمصلحة شعوبنا.

قبل 3 أعوام أكدنا على استعدادنا (وما نزال مستعدين) للشراكة مع المؤسسات الحكومية وجميع القطاعات الأخرى في مشروع التحريج الوطني وذلك ضمن أسس واضحة تحقق الأولويات الوطنية وتضمن ديمومة المشروع، وسردنا بشكل متسلسل الإشكالات الأساسية في المشروع بداية في غياب استراتيجية وخطة عمل تشاركية واضحة له مما أدى إلى قرارات ارتجالية غير متكاملة لا تعكس واقع الحال والتحديات المتوقعة ولا تستفيد من التجارب السابقة وفرص مشاريع التحريج، إضافة لعدم استشارة المجتمع المدني المتخصص أو الأخذ بملاحظاته حول قدراته وخبرته وعدم الإجابة عن استفساراته الجوهرية بالرغم من أن تلزيمه معظم أنشطة وتكاليف المشروع سيؤدي إلى المضي في مشاريع غير ناجحة، أو رفض انخراط الجمعيات ذات الخبرة في المشروع.

وتقنياً بيّنا أن عدم وجود آلية تشاركية لوضع معايير اختيار الجمعيات أو الأشجار وإلزام الجمعيات بزراعة الأشجار «الحرجية غير المثمرة » و » دون أغراض استثمارية» في مذكرة التفاهم المقترحة هو ضياع لفرص إنشاء مشاريع مستدامة ذات أهداف بيئية وتنموية في آن واحد. ونبّهنا إلى أنه لم تتم مشاركتنا بمعايير لاختيار المواقع أو مسح للمناطق الحرجية، كما أنه مع حظر زراعة الأشجار ذات المردود الاقتصادي الذي يمكنها تغطية بعض الكلف، فإن مذكرة التفاهم والتعهد المقترح تحمّلان الجمعيات غير الربحية الجهد والعبء المادي الأكبر لتنفيذ المشروع، كتوفير مصدر ماء، وشبكات ري الأشجار لمدة سنة على الأقل (وهذا يعتمد على كمية الأمطار في المنطقة)، وتوفير حراسة لحماية الأشجار من الرعي الجائر والتحطيب بشكل دائم، وتوفير سياج لحماية الأرض أو شيك حماية الأشجار الجديدة، وتهيئة الأرض وتجهيز الحفر، وتنفيذ ومتابعة المشروع، وهذه التكاليف لا تستطيع الجمعيات «غير الربحية» تحملها خاصة على المدى الطويل، ويحب إيجاد ميزانية للجمعيات لتغطيتها.

لم تكن ملاحظاتنا قبل 3 سنوات لمجرد النقد أو فتح جدل عقيم، بل قدّمنا رؤية بديلة من باب المسؤولية الحقيقية والرغبة في إنجاز مشروع وطني يدعم القطاعين الزراعي والبيئي ويحقق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، وعن إشكالية التمويل اقترحنا إيجاد ميزانية للجمعيات للعمل على استدامة المشاريع وتغطية تكاليفها التي أشرنا لها من ميزانية المشروع، أو من خلال مِنَح التغير المناخي، أو من خلال مساهمات الشركات الخاصة. أما عن مدة الاتفاقية فطرحنا تحديد مدة كافية لرعاية الأرض وإعطاء محفزات للجمعيات المنفذة على أن يتم اختيار الجمعيات ذوات الخبرة، وضرورة التشارك مع المجتمع المحلّي.

على قدر الأسف الذي نشعر به في العربية لحماية الطبيعة لعدم أخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار على هذا المشروع الوطني المهم، وكنا قد حذرنا من العواقب، إلا أننا سنبقى دائماً مع دعم أي فرصة ومبادرة ومشروع معني بالنهوض بالقطاعين الزراعي والبيئي في الأردن بما يحقق مفهوم السيادة على الغذاء ولو بالحد الأدنى وننظر دائماً بعين الأمل للمستقبل وهذا الدرب الطويل على صعوبته لا نراه إلا اخضراً، وما زالت فرصة نجاح المشروع متاحة إذا كان هنالك آلية شفافة وتشاركية بين القطاه العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة والمجتمع المحلّي المستفيد مباشرة من المشروع حالياً ومستقبلاً.

اخترنا لك