١٧ تشرين ثورة أم حراك أم فورة، أو حراك عفوي لشعب معذب

مشروع ذاكرة بقلم رجب شعلان
كاتب وشاعر و مؤلف – محام حائز على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي الدولي

قبل الدخول في تشريح ما حصل في 17 تشرين الاول عام 2019 وإطلاق التسميات على هذه الظاهرة والنتائج التي ترتبت والحكم عليها ايجابا او سلبا لا بد من اعتماد الموضوعية الكامله في الكتابة بعيدا عن الانفعال والعواطف الشخصية والأمنيات ودراسة ما حصل من وقائع ونتائج لاستخلاص العبر من تجربة سواء نجحت في مكان وفشلت في عدة أماكن.

في البدء لا بد من القول ان ما حصل في 17 تشرين عام 2019 لم تكن ثورة بكل الصور والاوضاع والأحوال ولم تكن انتفاضة ، ولم تكن حالة من حالات ما سمي ” بالربيع العربي” بل يمكن أن اسميها بأنها حالة من الهياج الشعبي معبرا عن غضبه من الأحوال والاوضاع التي وصل اليها لبنان بكل مؤسساته . وعليه انا اسمي ما حصل هو فورة شعبية استفاد منها النظام وغالبية الاحزاب السياسية والانتهازيون والوصوليون والنفعيون.

اما السؤال لماذا هي فورة وليست ثورة والجواب بالاتي :

يقول كارل ماركس الفيلسوف الشيوعي الالماني ”
الثورة يضع اسمها المفكرون والثوريون ويقوم بها الفقراء والمحتاجون ويقطف ثمارها الانتهازيون والمنتفعون .

واذا كان قول ماركس هكذا عن الثورة فما هو حال الفورة التي لم تصل إلى مستوى الحراك حتى .

الكل يعلم أن لبنان تشكل بفعل الامر الواقع ونتيجة لمصلحة الدول الاستعمارية وخصوصا فرنسا التي استغلت وجود الفسيفساء الطائفي والديني والمذهبي والتخلف المجتمعي ومنحت لبنان ما اسميناه الاستقلال وفق المعايير الفرنسية وصدق اللبنانيون وعلموني في كتب التاريخ اننا نحنا استقلالنا بكلامنا ونضالنا الى ان جاء ما سمي بميثاق 1943 والذي اسموه الميثاق الوطني ليوزع لبنان على قواعد طائفية للمسيحيين والمسلمين بالتوازي وللطوائف ايضا.

وكان طبيعي ان ميزان المحاصصة يكون على أربع طوائف اساسية الموارنة الذين يستلمون رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان اما السنة فلهم رئاسة الحكومة والشيعة لهم رئاسة مجلس النواب والدروز لهم رئاسة مجلس الشيوخ .

ومنذ ذلك التاريخ كان هذا العرف سائدا ولاستمرارة سخرت له كل الأعراف والمقولات والمصطلحات السياسية . وعليه كانت كل طائفة قد حجزت مقعدها وفق الحصة الممنوحة لها بمعزل عن عدد ابناء كل طائفة وبذلك ضمنت الطوائف برؤسائها السياسين والروحيين حصتها من مقدرات لبنان.

وتحولت الزعامات السياسية والديني في لبنان لتخدم مصالحها وللاستفادة من خيرات هذا البلد لهم ولزبانيتهم وبقي الشعب اللبناني بلا صفة ضرورية له إلا كل 4 سنوات موعد الانتخابات النيابية فقط .

وبما الاستعمار الفرنسي وفر إمكانيات الحياة وديمومة البقاء والاستفادة بعيدا عن المحاسبة كان على أمراء الطوائف والاحزاب ان ترد الجميل لهذا الاستعمار باعتماد شعار ان لبنان ذو وجه عربي وليس عربي الهوية والانتماء.

وفي المجال الخارجي كان لكل طائفة من الطوائف الأربع ارتباطها وقرارتها السياسية تبعا للدول التي كانت هي المرجع فمثلا المسيحيين ربطوا سياستهم الخارجية بفرنسا والسنة ر بمصر وخصوصا بعد قيام الثورة في مصر بقيادة جمال عبد الناصر والشيعة ارتبطوا بمرجعيتهم في النجف الاشرف في العراق والدروز بخلوات البياضة ، مما يعني إن لبنان لم يكن له سياسة خارجية نابعة منه بل بما تقرره المراجع الخارجية وهذا كان بالضرورة ليخلق حالة من التباين في المواقف تبعا لانتماء الطوائف وقد تأكد ذلك إبان ما سمي بثورة 1958 ودالتي واجه عبد الناصر حلف بغداد الذي كان يؤيده ويدعمه رئيس الجمهورية انذاك كميل شمعون وقد انتهت هذه الثورة بشعار تحول إلى مصطلح سياسي لخدمة الدعامات الطائفية الحاكمة انذاك وهو شعار صائب سلام رئيس الحكومة اللبنانية وهو لا غالب ولا مغلوب.

وطبيعي ان يزداد التدخل الدولي والاقليمي في لبنان بكل قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية وفقا لحاجات ومصالح الدول التي تتحكم ولو عن بعد في المسارات اللبنانية .

وكانت الاحزاب الاممية والقومية غير ذي شأن فعال في الحياة السياسية اللبنانية.

ولعل تجربتها في الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان 1975وانتهت عام 1990اكدت على ذلك فان الزعماء المسيحيين اعتمدوا على اميركا وفرنسا وإسرائيل فيما اعتمدت الاحزاب اللبنانية الأخرى على سوريا والعراق وليبيا …وانتهت هذه الحرب باجتماع الطائف وبارادة دولية وجرى الغاء ميثاق 1943واستبداله باتفاق الطائف الذي بقيت اكثر بنوده غير مطبقة .. واستمر الشعب اللبناني يدفع فواتير الزعامات السياسية من جيبه الخاص وعلى حسابه.

تعددت السنوات وتغيرت الوجوه السياسية لكن عامل الوراثة هو الأساس فان الزعيم السياسي بالضرورة سيكون هو الزعيم السياسي المقبل الذي سيحمل التركة ويزيد من مقدار المنافع والامتيازات.

وسط هذا الوضع ونتيجة لتحولات في المنطقة كان على لبنان ان يدفع فاتورة هذه التحولات فدفع شعبه اثمانا عالية من القتلى والدمار والتهجير ودمرت منشئاته الاقتصادية وازدادت بنيته المجتمعية تفككا وان كل المصطلحات السياسية لم تعطي ثمارها.

ولان لبنان اعتبر انه حجر عثرة بوجه المشاريع السياسية المرسومة اميركيا للمنطقة كان على اللبنانيين ان يتحملوا مجموعة إجراءات دموية وتدميرية فكان اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وعدد اخر من الشخصيات وقبله اغتيال رئيس الجمهورية رينية معوض ورئيس الحكومة رشيد كرامي وتفجير مرفأ بيروت مع فرض الحصار على لبنان عبر قانون قيصر كل ذلك أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي اللبناني اضافة للوضع السياسي والاجتماعي اضافة إلى التفكك والانقسام العامودي الحاد وانهيار سعر العملة الوطنية ونشوؤ مجموعات من مافيات الدولار والمحروقات والأدوية والتجار.

كل هذه الاحوال والظروف السيئة التي فرضت على غالبية المواطنين كان لا بد من الوصول إلى ثورة الجياع …. يتبع

اخترنا لك