مروان فارس : لم ألتقِ حردان من زمان… ولماذا لم يحاكموا الشرتوني ؟

"ساهمتُ في نقلِ القومي السوري من اليمين إلى اليسار"...

بقلم نوال نصر

مروان فارس، النائب في الحزب السوري القومي الإجتماعي، ذو العينين الشديدتيّ الإزرقاق والحاجبين السميكين، الشاعر ومعلّم اللغة الفرنسيّة، وجار أبو جاسم ( عاصم قانصو ) في مبنى مطلّ على بحر الرملة البيضاء، ذو شخصية هي خليط من تناقضات. هو رجلٌ يجعلك تُعجب به حتى لو لم تكن من مؤيدي فكره. هو يتكئ على عمرٍ ذهبي فيه محطات مجيدة ومحطات لا. هو إبن حزبٍ قتل أحد من فيه – فخامة رئيس وأمل كثير كثير من أبناء جلدته المسيحيين خصوصا واللبنانيين عموماً – بيدين باردتين. هو الذي عشق اللغة الفرنسيّة حتى النخاع لكن، في أطروحته، كتب عن مؤامرة الإستعمار الفرنسي من خلال اللغة. هو الجالس اليوم على كرسيه يعاني من أحد أمراض المناعة الذاتية ومن مرض خبيث ومن كسر في الورك، لم تمنعه ثلاثته هذه من الإبتسامة والرضى. حوارٌ معه :

زوجته الستّ منى، الى جانبه كيفما تحرك. هي الحبيبة والزوجة والرفيقة. إنها رفيقته في الحزب السوري القومي الإجتماعي منذ أيام الجامعة (كان هو في السنة الأخيرة وهي في سنتها الجامعية الأولى) حتى اللحظة. ولد مروان فارس، إبن فارس فارس وجليلة نصرالله، في بلدة القاع «في شهر الحصاد، في السابع عشر من حزيران عام 1947» وعنها قال «إنها السهل الممتنع حيث الإنبساط لا يعني البساطة، الممتدة بين جبلين، تحتضن الحب والحزن، وفيها فقر وغنى. إنها المكان اللامحدود. هي التاريخ الذي لا بداية له ولا نهاية. هي قرية لا ينفصل فيها الصراع عن الحبّ».

هو الإبن الخامس في عائلة من ثمانية أولاد ويقول «أخبرتني والدتي أنني نشأت صلباً وليناً كأرضِ بلدتي. كنت أساعد والدي في زراعة الشمندر السكري وفصل القمح عن القش وحراسة المزروعات. ومدرستي الأولى كانت أمي. دخلت في عمر السابعة مدرسة الراهبات وكانت شقيقتي الكبرى نقيّة واحدة من راهبات الرعيّة. ثم إنتقلت الى دير الأباء البولسيين في حريصا. هناك، في قسم المدرسة الداخلي، شعرت بالغربة فانصرفت الى الدرس والتفوق وأتقنت اللغتين الفرنسية والعربية وتعلمت اللاتينية واليونانية. قرأت جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. وذات يوم دعاني مدير المدرسة الأب جورج فضول عارضاً علي الدخول في سلك الكهنوت فأجبته متملصاً: إذا دعاني الربّ سأقبل دعوته. في حين قبل زميلي يوسف العبسي ذلك (هو بطريرك انطاكية وسائر المشرق وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك).

القضية الفلسطينية

بين الحياة المدرسية في القاع وحريصا تطورت ملامح شخصية مروان فارس ويقول: «أبي شمعوني كنت أراه يقلب بين أصابعه سبحة أهداها له كميل شمعون، يقرأ الجريدة اليومية ويتابع التغيرات من مصر جمال عبد الناصر الى بغداد نوري السعيد وصولاً الى لبنان كميل شمعون وبيار الجميل اللذين توزعت بينهما عائلات القاع، ومن ثم فؤاد شهاب، إضافة الى الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي ناصره يومها أتباع شمعون. والدي كان شمعونياً. كميل شمعون زارنا مراراً وهو يقوم برحلات صيد في القاع».

خلت عائلة فارس من القوميين السوريين حينها «كان والدي الى جانب فلسطين والقضية القومية لكنه لم يكن حزبياً. ووقف بين عامي 1956 و1958 الى جانب الثوار. أما أنا فكنت أميل الى القوميين لا الكتائب». ماذا أحبّ فارس في القوميين؟ أجاب: «أحببت دائما القضية الفلسطينية وأعجبني أن الحزب مع هذه القضية».

ماذا كانت تعني فلسطين الى طفل؟ أجاب «الشعب المظلوم» واستطرد: «أتذكر يوم اعتقلوا قادة حركة الحزب القومي الإنقلابية عام 1962 وزجوا بهم في السجون. كنت أزورهم. قابلت عبدالله سعادة وإنعام رعد وكان حاضراً رجل نظر إليّ وقال: حين أخرج من السجن سأضمك الى الحزب السوري القومي الإجتماعي. كان ديب الكردية من بلدة النبي عثمان. وهذا ما حصل. حين خرج أقسمتُ يمين الإنتساب في منزله. تماهيت كثيرا مع فكر أنطون سعادة. قرأت المبادئ الأساسية والإصلاحية في كتاب تحت عنوان «قضية الحزب القومي». شاركت في الحلقات الإذاعية التي يقيمها الحزب وأتذكر أن طالباً في قسم الفلسفة وعلم النفس يدعى الياس عطالله (أمين سر حركة اليسار الديموقراطي اليوم) كان يحضرها معي».

مع سعادة وفكر سعادة

كان الشاب مروان فارس متحمساً. كان مثل شباب كثيرين تجذبهم قضايا الأسر في السجون واشكال النضال السري ويقول «قمنا بزيارات لقيادة الحزب في سجن الرمل، ومنهم رئيس الحزب عبدالله سعادة وعميد الدفاع بشير عبيد وكنا نتحاور في القضايا الفكرية حول نظرة الحزب الى العروبة واليسار وموقف المؤسسة الحزبية الملتبس في العام 1958 الى جانب كميل شمعون وحلف بغداد. وأذكر أنني طرحت ذات يوم أحد عشر سؤالاً على عبدالله سعادة في سجنه وأوّل سؤال كان: لماذا أنتم ضدّ الكتائب؟». بماذا أجاب؟ «قال لي لأن الكتائب ليسوا مع لبنان. إنهم مع أنفسهم. ولديهم مشروع خاص بهم في حين أن مشروع كميل شمعون كان لكلّ الوطن».

درس الأدب الفرنسي وعلّم المادة في ثانوية برجا الرسمية ثم في ثانوية صيدا الرسمية. وسافر الى باريس بمنحة من الجامعة اللبنانية وهناك شارك عام 1968 بالتظاهرات الطلابية. عاد الى لبنان وعلم مادة الأدب الفرنسي في ثانوية الهرمل الرسمية ثم ثانوية عاليه. ويقول «لم أحاول تحويل ساعات التدريس الى أداة لنشر العقيدة التي أؤمن بها، لكن علاقتي الودية مع الطلاب، دفع بعضهم الى الإطلاع على فكر سعاده. في هذا الأثناء راسلت الناقد الأدبي الفرنسي الأستاذ في جامعة السوربون روجيه فايول وأخبرته برغبتي ان يكون مشرفاً على رسالتي التي حملت عنوان «تعليم اللغة الفرنسية في لبنان» تناولت فيها موضوع الثوابت الإستعمارية ضمن تعليم هذه اللغة».

إعتبرت اللغة التي تعلمتها وعشقتها وعلّمت بها إستعمارية. فلماذا لم تجافها؟ يجيب «قلتُ للفرنسيين ان لغتهم إستعمارية لكنها لغة عالمية نلتزم بها. درستُ الناحية الإجتماعية للغة التي أحببتها ونستخدمها كأداة».

نفهمه. نحاول ان نفهمه. خصوصاً حين نعرف ان في شخصيته مجموعة تناقضات شكّلته….

في الحرب، في العام 1976، قرر مروان ومنى ان يتزوجا. وعقدا قرانهما في كنيسة مار بولس وبطرس في شارع الحمراء، بغياب أهلها وأهله. كان مستحيلاً يومها الوصول إلى الكنيسة. ويقول فارس «إنعام رعد وقف إشبيناً لي. وأتذكر أن رفاقنا المدججين بالرشاشات وقذائف الآر بي جي طوقوا المكان». أحداث.

«قدري ألّا أكون من المحايدين، كما هي حال أبناء جيلي». يقول مروان فارس ذلك ملخصاً، بما قلّ ودلّ، قاعدة الإنتماء الأولى. وها قد مضى على إنتمائه الى الحزب السوري القومي الإجتماعي 55 عاماً. هذا لا يعني أنه لم يدن من كتائبيين بودّ. يقول: «كان لديّ أصدقاء ينتمون الى الكتائب في الضيعة، أحبوني ورشحوني الى الإنتخابات، بينهم وهبي البيطار». في المجلس النيابي كانت لديه أيضا صداقات مع الجميع من مختلف الإنتماءات. سامي أمين الجميل كان مكتبه قريباً ويتبادلان باستمرار التحية ويقول مروان: «في هذا البيت (في الرملة البيضاء) إستقبلنا كريم بقرادوني وأحمد فتفت ومروان حماده ووليد جنبلاط وشخصيات من مختلف الإتجاهات والإنتماءات السياسية. هنا ساهمنا بتسهيل أمور بين المنطقتين الغربية والشرقية آنذاك. وكنت أستقبل بحكم مسؤولية العلاقات الخارجية في الحزب سفراء دول كثيرين. كانت تربطني صداقات بسفراء عدة بينهم السفير السابق كولوتوشا واستطعت من خلال كل علاقاتي تأمين منح تعليمية لطلاب كثيرين».

كتائب وقوميّون

ويعود مروان فارس الى البدايات… الى القاع: «أخوالي كانوا كتائب أما أعمامي فكانوا قوميين. وما فعلناه في القاع أننا نقلنا البلدة من الجوّ الكتائبي الى الجوّ الوطني. أنجزنا تغييراً أخرج القاع من الإنغلاق الطائفي الى الإنفتاح على سائر الطوائف».

يتذكر فارس زيارة قام بها السيد موسى الصدر الى القاع ويقول «سمع عن نشاطي الوطني فقرع بابنا. فتحت والدتي لتجد الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب أمامها. مدت يدها لمصافحتهما فقال لها السيد موسى: «الحجة ما منسلم عليها الحجة منبوس إيدا». ثم قبّل كتفها. حاول يومها إقناعي بالإنضمام الى حركة أمل تعزيزا للتنوع الطائفي الذي أراده دائماً.

إستمر فارس قومياً. وأول مهمة رسمية أُسندت إليه في العام 1975 تعيينه ناظراً للإذاعة في منفذية البقاع الشمالي ويقول «تسلمت عام 1976 اول مسؤولية مركزية فعينت عميداً للثقافة ثم وكيلاً لعميد الخارجية ثم عميد خارجية طوال ثلاثين عاماً ومن ثم إنتخبت رئيس مجلس أعلى». 55 عاماً مضت، تبدل فيها الحزب كثيراً وشهد ما يُشبه الأجنحة… ألم يخطر في بالِهِ يوما الإنسحاب؟ يجيب: «لم أغيّر في إنتمائي، لأنني انتميت عقائدياً لفكر أنطون سعادة. ترعرتُ على مفهوم الحرية. كان الحزب يُمثّل الحريّة. ووجود القوميين في السجون نتيجة تمسكهم بالحرية جعلني ثابتاً في هذا الإتجاه». لكن، ألم يطمح الى رئاسة الحزب السوري القومي الإجتماعي؟ «لا، إستلمتُ كل المسؤوليات لكنني لم أفكّر بالرئاسة مع العلم أن إسمي كان في وقت من الأوقات مطروحاً».

ويستطرد: «في فترة من الفترات إبتعدت قليلاً، وساهمت، من حيث انا موجود، في صناعة التحولات الأساسية في الحزب الذي كان يمينياً في خمسينات القرن الماضي، أيام كميل شمعون، فنقلناه الى اليسار. وهناك من قال: مروان فارس يساري شيوعي داخل الحزب القومي. لم يُصب طبعاً هؤلاء فأنا كنت وطنياً داخل الحزب القومي».

هل إنقلب مروان فارس على والده الذي كان الى جانب كميل شمعون؟ هل تمرّد عليه؟ يجيب: «كان إنتماء والدي سياسياً وليس عقائدياً».

حردان المتسلّط

نبقى في مسألة رئاسة الحزب الذي كتب عنها في «جذور وانتماء»: «أخبر الأمين نبيل العلم زوجتي الرفيقة منى أنه وقف ضد إنتخابي رئيساً للحزب لأنني رجل مباشر ولا أعرف المسالك المطلوبة بل أذهب مباشرة الى الهدف».

يأبى فارس إستخدام كلمة أجنحة عند الحديث عن الحزب «حصلت عام 2019 إنتخابات في الحزب، صنعها أسعد حردان ووقّع على نتائجها لكنه عاد بعد اسبوع وتمرّد عليها رافضاً الإعتراف بها، وشكّل حالة حزبية منفصلة. ليست هناك أجنحة بل شخص متسلط هو أسعد حردان. لا أجنحة والحزب مع الإدارة التي يرأسها ربيع بنات». هل يلتقي فارس حاليا مع حردان… الحردان ؟ يجيب : «لا، لم ألتقه منذ اعوام».

لا يريد الكلام في السياسة محبذاً الكلام اليوم في الشعر والأدب. لكن، ثمة محطات لا يمكن تجاوزها بينها إغتيال بشير الجميل عام 1982 على يدّ قومي سوري… فماذا عن تلك المحطة بالذات؟ هو عرف حبيب الشرتوني بشكلٍ سطحي، بالكاد رآه مرة، لكنه يتذكر أن القوميين يوم قتل بشير الجميل هللوا ويقول: «ثمة صراع راسخ بين مشروعين. القوميون إعتبروا بشير مجرماً والشرتوني بطلاً. الحزب السوري القومي الإجتماعي يعتبر حبيب الشرتوني بطلاً من أبطال القضية القومية». لن ندخل في تفاصيل إضافية فالرجل يعيش اليوم في صومعة فيها حبّ وشعر وأدب بعيداً عن تفاصيل لا تزال تُشكّل صراعاً بين من آمنوا بفخامة رئيس وبين من «فجروا» الأمل.

في كلِ حال، الناشطون في الجانب الأمني في الحزب السوري القومي هم من مشوا بقرار إغتيال بشير الجميل ويقول مروان فارس: «كانت هناك فرصة لمحاكمة قاتل بشير». ولماذا لم يحاكم؟ يجيب «إسألوا من لم يفعل يوم كان في السجن. خاف أمين (الجميل) ربما من القوميين الذين اعتبروا القاتل بطلاً».

لاحقا، إلتقى مروان فارس بأمين الجميل مراراً. ثمة علاقات شخصية وودية بينهما ويقول «يوم توفيت والدة أمين جنفياف زرته معزياً. إنتُقدت من داخل الحزب في حينها. ويوم قتل بيار أمين الجميل حزنت كثيراً عليه. الإغتيال يزيد منسوب الحقد».

إنتخب نائباُ عن المقعد الكاثوليكي في بعلبك الهرمل في العام 1996. لكن، لماذا لم نره وزيراً؟ نعود لنُكرر أن فارس لا يريد الدخول في دهاليز السياسة لكن ما فهمناه أن الوزارة كانت دائماً معقودة لأسعد حردان. هو ومن على هواه: محمود عبد الخالق وعلي قانصو وحسن عز الدين… إستلم مروان فارس لجنة حقوق الإنسان في لبنان دورة واحدة (من 1996 الى 2000) وليس دورتين كما يتداول البعض. ويقول: «ناضلتُ كثيرا من أجل حقوق الإنسان. كل مشاريع القوانين التي تحترم حقوق الإنسان تقدمت بها الى المجلس النيابي. وأتذكر قانون عدم جواز أن يبقى سجين بلا محاكمة». ماذا عن زيارة السجون؟ «جلتً على السجون مع أعضاء اللجنة». هل زار سجن وزارة الدفاع الذي كان محتجزا فيه الدكتور سمير جعجع أيضا؟ يقول: «لا، زاره أعضاء من اللجنة اما أنا فلا». ويستطرد: «كنت دائما مع السجناء لا السجانين».

حياته الآن بين بيروت، الرملة البيضاء، والقاع. هو ما زال على الرغم من كل ما أصابة يبتسم. وما زال يقرأ ويقول «أحب الفيلسوف ألبير كامو. كتبت عنه أطروحتي. هو كان Absurde ويبدأ في البحث عن ترجمة لهذه الكلمة ويجدها: إنها فلسفة اللامنطق- العبثية. يملك من حصاد الكتب أحد عشر كتاباً، كلها كتبها بالعربيّة، بينها أربعة كتب مترجمة الى العربيه كتبها صلاح ستيتية (الدبلوماسي والشاعر اللبناني الفرنكوفوني) ويقول فارس: «حين قرأ صديقي صلاح أول كتاب ترجمته قال: أستطيع الآن أن أموت فقد أعادني مروان فارس الى اللغة العربية».

يحبّ فارس أيضا المتنبي والياس أبو شبكة والشاعر العراقي مظفر النواب «هو صديقي وكنا نلتقي في قلعة صيدا على البحر ونتكلم شعراً».

هو أحبّ اللغة العربيّة بقدرِ ما أحب الفرنسيّة. وهو أحبّ فلسطين كثيراً «عكس الكتائب واليمين» (يكرر لك). لكن اليمين دفع ثمن الطموح الفلسطيني ذات يوم بأرضٍ بديلة؟ يجيبنا: «نحن دافعنا عن الفلسطينيين». نجيبه: لكن اليمين دافع عن لبنان والوجود. يختصر المسألة بالقول: «كنا دائماً كقوميين الى جانب القضية الفلسطينية. الفلسطينيون جوهر قضيتنا القومية».

تقاصيل كثيرة مرّ فيها مروان فارس. نريد ان نسمعها منه لكننا نستجيب الى طلب العائلة: «فهناك ما قد يسبب نشره ضرراً ولا يفيد». ننظر الى إبتسامة الرجل – الذي يحاول أن يقف على الرغم من كل ما يعانيه صحياً – فنستجيب. هو، أحببناه أم لا، عكس قوميين كثيرين يثيرون سخط كثيرين. هو هوى شعارات، رأى فيها فكراً، فأصبح قومياً سورياً، في حين رأى هوى سواه شعارات أخرى فأصبحوا أي شيء آخر. أما اليوم فيطغى الطابع الإنساني على مروان فارس قبل أي أمر آخر.

ذات يوم طرح أحدهم سؤالاً على أنطون سعادة: لو لم تكن أنت نفسك فمن سترغب في أن تكون؟ أجاب: لو لم أكن أنا لرغبت أن أكون عقلاً واعياً ونفساً فاهمة وقوّة باطشة وصبراً لا ينفد وعزماً لا يقف في سبيله شيء». مروان فارس أراد ان يكون كل هؤلاء. هو تمرّس بالقضايا الثقافية. وهو لا ينام من دون أن يكون بين يديه كتاب. واليوم بين يديه كتاب لغسان شربل. أما الصحف فيقرأها ورقية. لا يحب الرجل التكنولوجيا كثيراً.

نراه ينظر، يتأمل، ويستذكر قصيدة ترجمها بعنوان : ناتالي… هو يُحبّ القصيدة والشعر. في أرجاء البيت صور لبناته الثلاث : رولا وهلا ودينا. هو يقول عنهن: «إنهن ثلاث قصائد في حياتي يعجز الشعر العربي وكل موسيقاه أن يعزف مقطوعات بجمالهنّ ورقتهنّ وحنانهنّ. ثلاثتهن تزوجنّ واثنتان منهن تعيشان في دبي». وأصبح لديه خمسة أحفاد: نور، لارا، نديم، سيما وياسمينا. وبناته لسنَ مثل الوالدين، لسنَ منتميات الى الحزب السوري القومي الإجتماعي لكنهن في أجواء الحزب فكرياً. «إنهن قوميات إجتماعيات بشكل عفوي وتلقائي، ففي الوقت الذي كان الأطفال يشاهدون أفلام الكرتون والرسوم المتحركة كنّ يشاهدنَ فيلم عملية سناء محيدلي ويرسمن شعار الزوبعة».

هو كتب ذات يوم : «علاقتي مع زوجتي منى ورفيقتي في دروب النهضة فيها الكثير من المواقف التي جعلتني أشعر أنها تتكئ على كتفي، مسلّمة دفّة قيادة الأمور لي بثقة ومحبّة». نراه اليوم ينظر إليها بحبّ وتنظر إليه بحبّ ومع فارق أنه هو من أصبح يتكئ عليها وهي سعيدة.

الحياة دوارة. ماذا عن أصدقائه اليوم: يتحدث هو عن صديق واحد هو كمال ذبيان أما هي، زوجته، فتقول: ما لاحظته أن الأصدقاء الذين كبر معهم في الضيعة ويشكلون نسيجاً متنوعاً مثل لبنان هم الأكثر قرباً إليه اليوم».

نتركه يستمع الى فيروز إستعداداً لمغادرة بيروت الى القاع فموسم الزيتون انطلق. اليس الزيتون أحلى بكثير من السياسة؟

اخترنا لك