نبذة متأخّرة عن بسّام حجّار

بقلم عقل العويط

بسّام حجّار الذي ولد في 13 آب 1955، وغادر قبل 15 عامًا في 17 شباط 2009، أقترح للتعريف بشعره، النبذة الآتية :

إذا وضع يده على قلبه، قصيدة. وإذا نادى أختًا، أو استفقدها، قصيدة. وإذا أُغرِم بغيمة، قصيدة. وإذا تمشّى في ثيابه، قصيدة. وإذا استوحش واستوحد واعتزل وأجهش في سرّه، وفي علنه، قصيدة. وإذا لم يذرف، قصيدة. وإذا قرأ بعينيه، بشفتيه، قصيدة. وإذا انتحر بلا أنْ ينتحر، قصيدة. وإذا أهرق روحَه، قصيدة. وإذا آثر الصمتَ، أو حكى حكاية الرجل الذي أحبّ الكناريَّ، وارتعش له، قصيدة.

وإذا خاف أنْ يرى، قصيدة. وإذا اندرج في هشاشة الهشاشة، قصيدة. وإذا اشتعل صمته، قصيدة. وإذا اعتنق الفلسفةَ، قصيدة. وإذا أخذه الشعرُ، قصيدة. وإذا البساطة شاءت أنْ تتبنّاه، ويتبنّاها، قصيدة. وإذا اختار الزهد والاقتصاد والتقشّف في البوح وفي اللغة، قصيدة. وإذا اكتفى، قصيدة.

الشعرُ له، كمثلِ أنْ تصبح نسمةُ هواء، إذا لم تدخل الرئتين، قصيدة. كمثلِ شمسٍ تتهيّأ للشروق من إشراقة موتٍ أو من فائق مرارة.

كتب شعره وفق هذه الطريقة، كجلوسٍ فلسفيٍّ رواقيٍّ وراء طاولة، كمثلِ الانسحاب في حشرجةٍ مكتومة، على غرار رجلٍ صامتٍ يستجمع الحواسّ وما يُشَبَّه بأنّه روح، بعد أنْ يعيد تخليقها برقّته اللامحتملة.

حالُهُ كحال السماء عندما لا تعود قادرةً على الالتئام بنجومها، فتصير في كلماته قصيدة. وعندما السماء تتألّم، تكون قصيدة. وعندما هو لا ينبس من أجل أنْ يدعوها إلى فنجان قهوة، إلى كأس كونياك، قصيدة.

والشعر له كمثل تأويلٍ مأتميٍّ للخفّة، لخفّة الحياة اللامتناهية. وهو له جوهرٌ بسيطٌ، كحياةٍ ملقاةٍ على قارعة، ككتابٍ يتيم، كعواءٍ ملجومٍ لوجعِ منتصفِ الليل، وإنْ لم يدرك هذا الوجعُ هفوةَ الصباح.

وكلّما ركب سيّارة أجرة، ونظر من نافذة، أو تنحنح، وهمَّ بإضرامِ سيكارة، كان ذلك قصيدة.

وكلّما مشى في جنازة وقته، كانت له قصيدة.

وكلّما سمع عصفورًا عابرًا، تدارك نبض قلبه، ورفّة الروح في الجناحين، كان له ذلك قصيدة.

وكلّما استيقظ، أدرك أنّ التعب، تعب العيش، هو ذاته قصيدة.

وصمت المقابر، وهلع الرصيف من وقع الأقدام، وهسيس العشب، والأرمل المساء، وشاشة التلفزيون، والأشياء، هي هي القصيدة.

وأنْ تقف امرأةٌ وراء زجاجها المكسور، وأنْ تتكئ على ثيابها، هي عنده قصيدة.

ومن تعريفي لشعر بسّام حجار :

أنْ يؤوب المرء إلى فراشه، وينام، أو لا يقدر أنْ ينام، هو قصيدة. وأنْ يتحمّل قسوة كوابيسه وأحلامه، قصيدة. وأنْ تفيض روحه، قصيدة. وأنْ يتعايش مع عينيه، ويديه، قصيدة. وأنْ يسكن جسده، قصيدة. وأنْ يكون جسدُه تابوتَه، قصيدة. وأنْ تنضح كلماته بماء المرارة والعبث واللاجدوى، وبالفلسفة، وبالانزواء، وبالوحدة، لتصير مسألة الوجود والزوال، هي القصيدة. وأنْ يغسل وجهه، قصيدة. وأنْ يمثل أمام مرآة، قصيدة. وأنْ يرافق مسيرة جدول، هو له قصيدة. والضفّة المعذّبة، هي له قصيدة. وحوض الزهور مستوحدًا ومستوحشًا، قصيدة. والبحر اليائس من كونه بحرًا، هو له قصيدة. والغيمة عندما تفقد وعيها، قصيدة، وهي، عندما تسترجع رشدها، قصيدة. وإذا غيمةٌ انحبستْ، قصيدة. والشتاء لأنّه لا يقدر إلّا أنْ يمطر، هو قصيدة. وزهر اللوز حين لا يستطيع أنْ يصير حبّة لوز، موتُهُ هو قصيدة.

يكفيه، بسّام حجّار، ظلُّ شجرةِ سروٍ ليعيش، ليموت، فتنكتب قصيدة. ويكفيه ظلُّ جدار، أو رمادُ سيكارة ومنفضة، ليكون هو والقصيدة… قصيدة.

شعرُهُ بضعةُ أشياء. وبضعُ حياةٍ ولاحياة. وهو ذاتُهُ، شعرٌ وقصيدة.

اخترنا لك