المياه تفلت من مجاريها وتجرف معها “حقوق المسيحيين” في جونيه “الابية” وجوارها

بقلم غسان صليبي

للمرة الثالثة في نهاية هذه السنة، ومع كل شتوة، تطوف المياه في شوارع جونيه والبلدات المجاورة، الخارجية والداخلية، وتحجز السيارات على الطرقات وتدخل إلى المنازل، وقد تسببت منذ مدة بمقتل شخص.

المشكلة هي في إهمال صيانة مجاري المياه والطرقات وفي التعديات على قوانين السكن، وكذلك في التغيّرات المناخية، والمسؤولية تتوزع بين الحكومة ووزارة الأشغال وبلديات كسروان ونوابها.

لعقد من الزمن كان معظم نواب كسروان من “التيار الوطني الحر”، وكان من بينهم العماد ميشال عون قبل أن يصبح رئيسا.

أذكر تماما أن كثيرين من أهالي كسروان “العاصية” الذين انتخبوا عون وتياره، كانوا يقولون من بين ما يقولونه، انهم سينتخبون “العامود” إذا رشّحه عون على لائحته، وبالفعل فقد كان للمنطقة نوابها، من العماد الى “العواميد”، مع أقلية فاعلة من بينهم، ويكاد المواطنون في كسروان يجمعون، أن النواب لم يفعلوا شيئا يذكر في مجال تأمين الخدمات العامة لمنطقتهم كما لغيرها من المناطق، فالنائب هو نائب الأمة وليس نائب منطقته فحسب.

وكان للتيار العوني وغيره تأثيره في انتخابات البلديات، لدرجة ان عون نفسه اضطر لدعم أحد المرشحين على رأس لائحة، من خلال زيارة خاصة قام بها لجونيه، في جو من التحريض بأن هناك خطر يحدق بجونيه “عاصمة المسيحيين الأبية”، مع ان الخصوم لم يكونوا الا مسيحيين، مما ذكّرنا بالحملة على الشخصيات المسيحية التي ترشحت على لائحة الرئيس شهاب وجرى اسقاطها بحجة أن شهاب متعاطف مع المسلمين.

وها هي مدينة جونيه وبعض البلدات الساحلية، تغرق في المياه، رغم كل الطنطنة حول “حقوق المسيحيين”، وقد تبين بالتجربة أن أصحاب الطنطنة كانوا يقصدون حقوقهم هم على حساب المسيحيين.

وللمفارقة أن وزير الأشغال اليوم هو من وزراء “حزب الله”، الذي اعتبرته الطنطنة المسيحية الذمية الضمانة لـ “حقوق المسيحيين”، وها هو الوزير نفسه يتبرأ مجددا من المسؤولية ويرميها على البلديات،
وبدورهم رؤساء البلديات حمّلوا الوزير المسؤولية، مع تأكيدهم أيضا أن التغيّرات المناخية هي وراء الكارثة التي حصلت.

افتقدنا لتصريحات النائب السابق ماريو عون، الذي كان يرى في كل كارثة عملا مقصودا ضد المسيحيين، وربما انه لم يفعل هذه المرة، أما تفاديا للوم الله على ما حصل، أو لأنه أصبح أكثر وعياً بعد أن ابتعد عن “التيار الوطني الحر”.

حقوق المسيحيين، من خدمات عامة وحريات ومعيشة كريمة وامن ومستقبل لا ولادهم، لا يؤمّنها الا الدولة العادلة المستقلة التي تعمل وفقا للدستور، وحقوقهم ليست الا جزءا من حقوق المواطنين جميعا، المتساوين أمام القانون.

وعلى النواب الحاليين، التحرك سريعا قبل حلول الكارثة المقبلة، من خلال تحميل المسؤولية بوضوح للحكومة ووزارة الأشغال والبلديات، فكونها حكومة تصريف أعمال لا يمنعها كما لا يمنع الوزير ولا البلديات، من تأمين تصريف المياه، بعيدا عن منازل المواطنين وارزاقهم ومحلاتهم وسياراتهم.

على الأرجح أن ميقاتي لم يتعلم شيئا خلال مشاركته في مصر ومنذ اقل من شهر، في القمة العالمية لمناقشة مخاطر التغيّرات المناخية، لأنه كان منشغلا بلقاءاته مع رؤساء البلدان الأخرى بشأن انتخاب رئاسة الجمهورية، كما كان “الممانعون” بدورهم منشغلين ب”الخيانة” الوطنية التي ارتكبها بجلوسه إلى طاولة مستديرة واحدة مع ممثلة لإسرائيل إلى القمة في احد الاجتماعات.

لا أحد بالطبع من اركان الطبقة السياسية، كان أو أصبح يبالي بالتغيّرات المناخية، طالما أنها باعتقادهم لا تطال بكوارثها الا شعبهم المقهور.

واحد من هذا الشعب المقهور، والذي دخلت المياه إلى منزله وخرّبت ما خرّبت، كان حريصا على التصريح في الإعلام المرئي، أن المياه أتلفت أيضا جواز سفره، وكأنه أراد أن يقول لنا انه للأسف لن يستطيع الهرب قريبا من جحيم البلاد اذا وجد الى ذلك سبيلا.

ولا شك انه أختبر ومعه الكثير من اللبنانيين، أنه حتى المياه في جهنم التي يحكمها الشياطين، لا تطفئ النار بل تؤججها.

اخترنا لك