“الجماعة الإسلامية” بعد “الطوفان” : مجلس المُفتين معها وضدّها

بقلم عيسى يحيى

أعادت حرب غزّة خلط الأوراق ضمن الساحة السنّية اللبنانية، ومعها ترتسم معالم المرحلة المقبلة للطائفة التي تعاني تشرذماً وتراجعاً، ولا سيّما بعد تعليق «تيار المستقبل» العمل السياسي، وفتح الباب أمام مستقلّين وخصومٍ للوصول إلى البرلمان.

لم يكن عابراً صعود نجم «الجماعة الإسلامية» في لبنان من بوابة الجنوب وحرب غزة، ودخولها على خطّ العمليات العسكرية ضد إسرائيل من منطلق ديني وعقائدي نصرةً لأهل غزّة، ليطرح عملها السؤال عن مدى ترجمته سياسياً ونيابياً خلال الإنتخابات المقبلة، في ظل غياب «المستقبل»، وهي التي تعمل وفق تنظيم وهيكلية تتفوّق فيها على كل التشكيلات السنّية التي تسعى إلى تعزيز حضورها شعبياً، وتتنافس فيها أيضاً مع باقي الأحزاب، خصوصاً في ظل تزايد حاضنتها الشعبية واتساع رقعة المنتسبين إليها خلال الفترة الماضية.

تقول مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» إنّ نقاشات تجري داخل مجلس المفتين، وتحمل وجهتي نظر: الأولى تسجّل اعتراضاً على عمل «الجماعة»، لأنّه يؤدّي إلى ردود فعل عسكرية ويساهم في اتّساع رقعة الاستهداف، والثانية تؤيّد عملها، كون عملية «طوفان الأقصى» صوّبت الأمور مجدّداً، وإذا كانت هناك ساحة إسنادٍ ودعم لفلسطين فهي للسنّة أولاً، إضافةً الى أنّ الجسم الديني في لبنان بغالبيته قريب من طروحات «الجماعة الإسلامية». ومن الواضح أنّ هناك احتضاناً شعبياً لها، برز عند تشييع عناصرها الثلاثة الشهر الماضي وما رافقه من ظهور مسلّح، هذا الإحتضان الشعبي الذي يدلّ على أنه في غياب «المستقبل»، يتجه الشباب إلى «الجماعة» وينضوون تحت لوائها وهو أمر يتزايد يوماً بعد آخر.

وتضيف المصادر: «السجال الذي دار بين بعض نواب العاصمة السنّة وقواعد «الجماعة الإسلامية» على مواقع التواصل إثر الظهور المسلّح وإطلاق النار، وبيان «الجماعة «الذي استوعب الحالة الهجومية وابتعد عن لغة التصادم، يدفع الى القول إنّ بعض النواب التغييريين قد وقعوا في خطأ ولم يكن هجومهم بريئاً، بدليل عدم مشاركتهم في التعزية، والسؤال اليوم على الساحة السنّية: هل نشهد في الأيام المقبلة حالة سنّية تشبه المزاوجة القائمة على الساحة الشيعية بين تيار مقاوم وتيار سياسي؟ أم أنّ الساحة السنّية بطبيعتها لا تشبه الساحات الأخرى، إنما لديها قابلية للتنوّع والتعدّد وعدم حصر نفسها بأحادية وثنائية؟».

وتستطرد المصادر:»لا وضوح حتى الآن لجهة ما إذا كان «المستقبل» خاسراً أم رابحاً من تمدّد «الجماعة الإسلامية» على الساحة السنّية، فشعبية الأخيرة تزداد يوماً بعد آخر، وقد باتت ملجأ لبعض الشباب السنّي، ولديها قاعدة وازنة في مختلف المناطق السنيّة من الشمال إلى البقاع، وتملك ماكينة انتخابية منظمة، وتسعى للخروج بكتلة نيابية على غرار كتلتها عام 1992، والسؤال الأهم: هل يُسمح لفرع «الإخوان المسلمين» في لبنان بالتمدّد؟ وهو توجّه يصفه البعض بالمتشدّد، مقابل انفتاح «المستقبل» واعتداله. لكن الأمر مرهون بالتبدّلات على صعيد المنطقة وترك هامش لتحرك «الإخوان المسلمين» وتمدّدهم بمباركة إقليمية. وإذا كان الحال كذلك فسيخسر «المستقبل» حكماً، أما إذا إقتضت مصلحة الكثيرين عودته كونه أقرب إلى منطق الانفتاح والتواصل إلى حدّ التنازل حتى لو كان على حساب الطائفة، فهذا سيصبّ في مصلحته في حال قرر العودة».

وتابعت المصادر «الأمر رهن تحالفات «الجماعة» الانتخابية أيضاً، وإن كان الحديث عنه باكراً، لكن مجريات حرب غزة و»انخراط» الجماعة عسكرياً، وهامش التحرك الذي منحها إياه «حزب الله» في الجنوب، جعل البعض يصوّر أنّ «الجماعة» باتت محسوبةً عليه، وأنّ أي تحالفات مقبلة ستكون حكماً بين الطرفين، لكن كلام أمينها العام الشيخ محمد طقوش، وطروحاته المتقدّمة، ولا سيّما في موضوع السلاح بعد الانتقادات التي تعرّض لها التنظيم، والعناوين التي طرحها كبناء الدولة وسيادة القانون، يجعل الأمر في حال تشويق أكثر، لجهة تمايز «الجماعة» عن «حزب الله» نوعاً ما، وانفتاحها بطروحاتها على مختلف المكونات».

اخترنا لك