إسرائيل و إيران والصراع على “حافة الهاوية”

بقلم جوزيف حبيب

يتّخذ الصراع بين الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية بُعداً دينيّاً وعقائديّاً يزيد من حدّة جوانبه الماديّة الأخرى ويُسعّرها. فمنذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 تجلّت العداوة بين طهران وتل أبيب بأبهى حللها على لسان مؤسّس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، الذي “شخّص” إسرائيل كـ”غدة سرطانيّة” من واجب “الشعوب الإسلامية” إزالتها من الخريطة، فيما واظب على تكرار أن الولايات المتحدة وإسرائيل أصل كلّ المصائب.

عَرف نظام الملالي كيف يُوظّف “ولاية الفقيه” و”القضية الفلسطينية” على حدّ سواء لمصلحة تصدير “الثورة الإسلامية” إلى خارج الحدود السياسية لإيران، ونجح في تحقيق ذلك بشكل باهر في لبنان من خلال “حزب الله”، وبمستويات أقلّ جودة وإبهاراً مع جماعات في باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين وغيرها من الدول والساحات. وفي المحصّلة، بات لطهران “أذرع عسكريّة” نشطة وفاعلة ومنتشرة في المنطقة، ما جعل منها قوّة إقليميّة يُضرب لها حساب، خصوصاً في زمن الحرب.

وما يزيد الطين بلّة بالنسبة إلى إسرائيل، وجود برنامج نووي إيراني متقدّم يسمح لطهران بصنع ولو قنبلة ذرية واحدة في مدّة زمنية قصيرة، إذا ما أرادت ذلك، إضافةً إلى برنامجها للصواريخ الباليستية القادرة على نقل سلاح الدمار الشامل هذا، كان آخر انجازاته صاروخ “فتّاح” الفرط صوتي الذي تباهت به إيران الثلثاء. وتتمسّك القيادة الإسرائيليّة بـ”خطوط حمر” نوويّة لا يجوز تجاوزها إطلاقاً مهما كانت الكلفة باهظة الثمن، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى الدخول في “حرب سرّية” مع طهران وبرنامجها النووي.

وبالفعل، فقد وجّهت إسرائيل سلسلة من الضربات الأمنية في العمق الإيراني بطرق مختلفة خلال السنوات الأخيرة، إنطلاقاً من الهجمات السيبرانية وحرب الاستخبارات وجمع المعلومات، مروراً بتصفية علماء نوويين وتخريب منشآت لأجهزة الطرد المركزي، ووصولاً إلى توجيه ضربات جوّية مسيّرة لمراكز حسّاسة، ما أدّى إلى تأخير المسار التطويري للبرنامج النووي الإيراني من دون التمكّن من ايقافه. وأكبر دليل على ذلك أن طهران باتت على قاب قوسين أو أدنى من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي.

لقد غدت الحكومة الأكثر يمينيّة في تاريخ إسرائيل أمام مفترق طرق مفصلي. فإذا لم تُقدّم طهران “تنازلات نوويّة” ذات صدقيّة وقابلة للتحقّق من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتعرّض لاتهامات إسرائيلية بالتقصير والرضوخ للضغوط الإيرانية، تؤكد تل أبيب أنّها ستذهب إلى خيار توجيه ضربة عسكرية قاصمة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وبالتالي إنهاء خطر برنامجها النووي. بيد أن هذه “الخطوة العسكرية” محفوفة بالمخاطر الجسيمة ومعقّدة للغاية من الناحية اللوجستية، لا سيّما أن إيران اتّخذت احتياطاتها من هكذا احتمال عبر تشييدها أكثر من منشأة نوويّة محصّنة داخل أعماق الجبال.

بدورها، تُكرّر الولايات المتحدة التأكيد على مسامع القادة الإسرائيليين والعالم أنّها لن تسمح أبداً لطهران بامتلاك سلاح ذري، فإمّا خضوع إيران “نوويّاً” من خلال “الجزرة الديبلوماسية”، وإمّا اعتماد “العصا العسكرية”. فهل تتراجع طهران عن تصعيدها النووي في “اللحظة الحاسمة” مع ظهور مؤشّرات مستجدّة لليونة إيرانية ولو محدودة تجاه الوكالة الذرية، في ظلّ “أجواء ايجابيّة” تولّدت جرّاء إفراج إيران عن سجناء يحملون الجنسية الغربية، ووسط معطيات عن محادثات أميركية – إيرانية مباشرة للإفراج عن أسرى أميركيين من السجون الإيرانية؟

ماذا لو لم تضغط طهران على مكابح برنامجها النووي وتوقف من رفع نسب تخصيب اليورانيوم وحجم مخزونها منه في الوقت المناسب أو حتّى ترفض البتّة القيام بذلك في إطار حساباتها الخاصة؟ وهل يتقاطع توقيت واشنطن وتل أبيب في تحديد “ساعة الصفر” لتوجيه ضربة عسكريّة مشتركة لإيران، أم أن حسابات نتنياهو وحلفائه القوميين والمتطرّفين مغايرة عن تلك المرسومة في المكتب البيضوي؟

وفي حال وجود تباين بين واشنطن وتل أبيب، هل تتجرّأ الدولة العبرية على توجيه ضربة لإيران بمفردها وتضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع لتتحمّل مسؤوليّاتها عن تبعات الهجوم وتداعياته؟ تكثر الأسئلة الشائكة وتبقى الأسابيع والأشهر المقبلة كفيلة وحدها بالإجابة عليها. لكن الأكيد أن طهران وتل أبيب أمام منعطف تاريخي له تأثير جذري مباشر على مصيرهما ومستقبل المنطقة بأسرها في احتمالَي “التسوية الديبلوماسيّة” أو “الحرب الشاملة”. فلمَن الكلمة الفصل؟

اخترنا لك